في قصيدته "هم ألم به مع الظلماء"، يستعرض الشاعر إيليا أبو ماضي عمق المشاعر الإنسانية المعقدة التي يواجهها المرء أثناء رحلة الحياة. هذه القصيدة، وهي جزء من ديوانه الشهير "الروح"، تعكس تأملات الشاعر حول الألم والحنين إلى الأيام الخوالي. يتميز أسلوب أبي ماضي الأدبي بتناول القضايا الفلسفية بطريقة شعرية رقيقة ومفعمة بالمشاعر.
تبدأ القصيدة بالتعبير عن الشعور بالألم الذي يأتي عندما يتذكر أحد أيام الماضي: "همٌّ ألمَّ بي معَ الظُّلَماءِ". هذا الهم ليس مجرد حزن عابر؛ بل هو حالة مستمرة تسري كالشوكة المؤلمة داخل صدر المتحدث. يشعر بالنوستالجيا ويحاول استرجاع تلك اللحظات الجميلة لكن الواقع الحاضر يبدو مظلماً مقارنة بها. يقول أبو ماضي: "يوم كان الوصل خضراءً، وها أنا اليوم أتذكرها!". هنا، نرى كيف يمكن للأحداث البسيطة مثل رؤية الطبيعة الخضراء أن تحيي ذكريات سعادة مضت، ولكن أيضا تكشف مدى بعد المسافة بين ذاك الوقت وهذا الوقت الحالي الغائم.
ثم ينتقل أبي ماضي إلى وصف حالته النفسية خلال هذه التجربة. فهو يعيش حالة من عدم اليقين والفراغ الروحي بسبب غياب الشخص العزيز عليه والذي أصبح الآن في عالم آخر ("أنت يا قمر أخذت النور وأبقيت الظل"). يشعر بأن وجود ذلك الشخص قد ترك فراغا هائلا يمكن ملاحظته حتى عبر الأشياء الصغيرة والأماكن العامة. كما يعبر عنه شعراً: "وأنت يا ضوء النهار لم تخف ولا زلت باقيًا... ولكني رأيت ظلالاً كثيرة ولم أر وجهًا واحدا."
وفي الجزء الأخير من القصيدة، يرسم أبي ماضي صورة للمستقبل غير الواضح أمام عينيه. رغم كل الأحزان وكل الآلام التي مر بها، يبقى لديه إيمان بالحياة وبإمكانياتها للتغيير والتجدد. فالحياة ليست ثابتة وليست مكتملة دائماً، وإنما هي مليئة بالتقلبات والمستويات المختلفة من الفرح والألم. إنه رسالة أملاً وإصرار على مواصلة الطريق مهما كانت الصعوبات كبيرة.
بهذه الطرق الشعرية الرائعة، يؤكد إيليا أبو ماضي على قوة اللغة لالتقاط وتعزيز التجارب الإنسانية العميقة، سواء كانت من الفرح أو المحنة. إن "هم ألم به مع الظلماء" ليست فقط قصيدة تصف مشاعر شخصية محددة، ولكن أيضاً عمل أدبي يجسد روح الإنسان المستمرة للبحث عن الجمال والمعنى وسط البرهة المؤلمة للحظة الآنية.
