أبو العتاهية وشعر الحب والإخلاص للأم: دراسة في الشعر العربي الكلاسيكي

يعدّ الشاعر العربي الكبير أبي العتاهية أحد أشهر الشعراء الذين تناولوا موضوع الأُم في ديوان شعره الغني. وعلى الرغم من شهرته كشاعر غزلي ومسرف، إلا أنه ب

يعدّ الشاعر العربي الكبير أبي العتاهية أحد أشهر الشعراء الذين تناولوا موضوع الأُم في ديوان شعره الغني. وعلى الرغم من شهرته كشاعر غزلي ومسرف، إلا أنه برع أيضاً في رسم صور مؤثرة للحب والعاطفة تجاه والداته رحمهما الله.

في قصيدته "يا أمي"، يبدأ أبو العتاهية بانفعال عميق وحنين صادق نحو ماضي طفولته وأوقات الراحة التي قضاها برفقة أمه الحنونة. يستخدم اللغة العربية الفصحى بطلاقة لوصف مشاعره الصادقة بإتقان وبساطة:

"يا أمي يا ملاذي الوحيد/ يا من أرضعتيني بالحنان/ حين كنت صغيرًا وأنا الآن كبير / ولكن حبك لم يتغير."

إن هذا المقطع يعكس مدى تقدير الشاعر لعظيم دور الأم ورعايتها الدائمة له خلال حياته كلها. كما يؤكد أيضًا قوة الروابط العائلية وجذورها المتأصلة والتي تبقى حتى وإن ابتعد المرء عنها جسديًّا.

وفي مقطع آخر يقول: "شوقي إليك مثل زهرة البراري/ تجري مع الريح وتعود سالماً". هنا يقارن حالة اشتياقه لأمه بالطبيعة القاسية والمتمردة، مما يوحي بشدة وجود رابط غير مرئي بينهما - نوع من الاتصال الروحي المستمر رغم المسافة الجغرافية والزمان.

وتستعرض القصيدة كذلك جانباً آخر وهو ندم الشاعر بسبب عصيان أمر والدته عندما طلبت منه عدم مغادرة المنزل قائلة:"لا تغادر بيتنا أبداً"/ لكن عزيمتي كانت أقوى من كلامها." ومن ثم يندم ويتأسف لأنه خالف رغبتها وأن ذلك كان سبباً رئيسياً في قلقه وعذابه فيما بعد.

هذه الطريقة التي يتعامل بها ابو العتاهيه مع مواضيع الخلافات البسيطة داخل الاسرة تعطي فكرة حساسة حول كيفية رؤية العلماء والفنانين العرب للشؤون الاجتماعية والحياة اليومية بشكل عام منذ القرون القديمة ومازال تأثير تلك الرؤية مستمرا حتى يومنا الحالي . إن شعر أبي العتاهية يعد مثالاً حيًا لما يمكن أن يحققه الفن الأدبي النبيل بشأن تقديم رسالة قيمة وملهمة تفسر طبيعة العلاقات البشرية وتعبر عن المشاعر الإنسانية بكل صدق واحساس عالي.


Reacties