أرض الآباء.. واجب الولاء

الوطن، ذلك المصطلح البسيط المؤثر، يشير إلى أكثر بكثير مما يمكن رؤيته أو لمسه. إنه رمز الوجود، دفء الأحضان ومصدر الهوية. وطننا ليس مجرد مساحة جغرافية،

الوطن، ذلك المصطلح البسيط المؤثر، يشير إلى أكثر بكثير مما يمكن رؤيته أو لمسه. إنه رمز الوجود، دفء الأحضان ومصدر الهوية. وطننا ليس مجرد مساحة جغرافية، بل هو امتداد للحياة البشرية بكل تجلياتها - ثقافاته وحكاياته وشخصياته. وبالتالي فإن حب الوطن ليس مجرد شعور؛ بل هو الواجب المقدس لكل مواطن.

الأمر الأول الذي يجب أن يعرفه المرء حول الوطنية هو أنها ليست كلمات تُردد، ولكن أعمال تقوم. عندما تكون هناك حاجة للدفاع عن الوطن، فلا يكفي أن نقول "أنا أحب بلادي". يجب علينا العمل بالفعل لحماية ترابه من أي خطر خارجي. وهذا الدفاع لا يتعلق فقط بتراب الأرض، ولكنه أيضا دفاع عن سرديتنا التاريخية، قيمنا الأخلاقية، وديننا الإسلامي الذي يغذي الروح العاملة لدينا. يفسر الشاعر رفاعة الطهطاوي هذا بإيجاز: "يا صاحُّ حبُّ الوطنِ حميةُ كلِّ فطنٍ/ محبةُ الأوطانِ من شعب الإيمان."

بالإضافة إلى الدفاع، يأتي دور المساهمة في تقدم البلاد ورقائها. سواء كانت إسهامات شخصية بسيطة مثل احترام القانون ودفع الرسوم الحكومية، أو جهود أكبر كتقديم الخدمات المجتمعية والإسهام المعرفي والثقافي، كل عمل يبني مستقبل الوطن بشكل مباشر.

وتتجذر جذور الانتماء الوطني في فهم عميق لتاريخ الوطن وثقافته. فهي تمثل روابط بين الأفراد والجماعات المختلفة ضمن بنية وطن واحدة. تبدأ هذه الرابطة من الدائرة الداخلية للأهل والعائلة ثم تمتد لتشمل البلد ككل والذي يُدرج تحت مظلة الأمة الإسلامية. هنا تكمن خصوصية المواطن العربي والعالم الإسلامي فيما يتعلق بوطنهم؛ لأن انتمائهم ليس مرتبطاً بمكان واحد فقط، بل هو ارتباط تاريخي وروحي مع منطقة ذات حضور كبير للشريعة الإسلامية والتراث الثقافي الغني.

وفي الحديث النبوي المدعم لهذه الفكرة يقول النبي محمد صلى الله عليه وسلم: "والله إن لك خير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله"، مشيرا بذلك إلى مكانه الخاص بمكة المكرمة داخل قلوب المسلمين كافة. وينقل لنا أحمد شوقي صورة جميلة عبر أبياته الشعرية حيث تصرخ الريح قائلة:"طوبى لمن بات ذاكر ذكرك يا منزل الرحالة" تؤكد القصيدة العلاقة الخاصة المتينة بين الشخص والبلاد الأصلية بغض النظر عن طول الفترة الزمنية المنقضية منذ مغادرته لها.

إن الحب الحقيقي للوطن يسري في الدم ويتغذى بالأرواح حتى النهاية. إنها ليست علاقة مادية قصيرة العمر، ولكن رابط روحي خالد يدوم طيلة الحياة وبعدها كذلك. إذن فلنعكس هذا الحب بالإخلاص والعمل الدؤوب لتحقيق رفعة وطننا العزيز.


نزار بن شعبان

8 Blog Beiträge

Kommentare