الوطن ليس مجرد مكان نتواجد فيه؛ بل هو جوهر هويّتنا وحاضرة تاريخنا العريق. إنه البيت الكبير الذي تحتضننا رياحه وأرضه، والذي يرسم لنا مساراتنا الأولى نحو مُناه وخوض غمار الدنيا. هو الشجرة الراسخة بجذورها عميقًا بالذكريات والعبر، ومع ذلك فهي ترتفع شامخة بإرث حضاري يُلهم الأجيال الجديدة بالأمل والتفاؤل.
إن الوطنية ليست شعورا عابرًا ولا مجرى دم مؤقت، وإنما هي رابط مقدس يجمع بين الإنسان وثراته المشتركة، فهو الذي منحنا النشأة وغرس بدينا بذر بذوره ومبادئه الحقيقية. وإذا ابتعد المسافرُ عنها بفترة طويلة، تبقى تلك الأرض جزء منه وستظل دائما وجهته الآمنة التي تشده إليها رغم كل ظلمة وصعوبات الطريق.
فالوطن كالجوهرة الثمينة التي تضيء درب الإنسانية بكل معاني الخير والنماء، فالاستقرار والأمان هما حصاده المرغوبان، بينما يشكل الفقر والفزع حالة حرب ضروس ضدهم عندما تتعرض أرض الأحرار للغزو والاستلاب. وبالتالي فإن بناء الشخصية القوية والمجتمع المتماسك يبدأ بالمشاركة المجتمعية البناءة والصالح العام الواضح المعالم.
وعلى الرغم مما قد يبدو عليه الواقع مرًا أحيانًا، إلا أنه يبقى مصدر إلهام كبير لإصلاح النفس والسعى نحو المستقبل الزاهر عبر التعليم المنتظم وكسب خبرات جديدة تساهم بنقل البلاد لدوائر مزدهرة ومتقدمة علميًا وثقافيًا واجتماعياً أيضًا. فنحن مدينون للأوطان بما فعلت، وليس أقل من ذلك تقديم جهود فردية متكاملة لصيانة مكتسباتها ودحر المخاطر المحلية والدولية قدر الاستطاعة.
وفي خضم هذه المعركة الضارية للدفاع عن حقوق المواطنين وتعزيز مكاسب الأمة وتوجيه سفن الحياة نحو بر النصر النهائي، يأتي دور الشعر للتعبير المباشر عن الحب والإخلاص لهذه العقيدة الجميلة عبر أبيات شعرية نابضة بالحنين والشجن مثل ديوان "موطني" للشاعر إبراهيم طوقان رحمه الله. فهذه القصائد ترجمة صادقة لقلب عاشق لحبيبه الوطني مهما تعددت تجاربه بين حب التراب وحزن المنفى وآمال الحرية المنشودة.
ختامًا، فأننا جميعًا مسؤولون موحدون قصديّا تجاه وطنيتنا وواجباتنا الأخلاقية تجاه دولتنا وشعبنا الأعزل أمام زحف التحديات الخطيرة داخليًا خارجيًا بشكل عام، لذلك دعونا نسعى دائمًا لبناء مستقبلاً أكثر نورًا وابتعادًا عن مخالب الظلام السياسي والاقتصادي والاجتماعي المحيط بنا الآن وعلى مدى عقود قادمة كذلك.
