كان أبو حامد محمد بن محمد الغزالي شخصية بارزة في التاريخ الإسلامي والعالم العربي، ويُعتبر واحداً من أهم المفكرين المتعددين التخصصات الذين أثروا بشكل كبير في مجالات متعددة مثل الفلسفة والدين والفقه والتاريخ. وُلد الغزالي حوالي عام 1058 ميلادي في طوس بإيران الحديثة، ونشأ في بيئة علمية دينية غنية تأثرت بشدة بمذهب الأشاعرة الصوفي.
تلقى تعليمه المبكر في مسقط رأسه ثم انتقل إلى نيسابور لاستكمال دراسته تحت إشراف العلماء البارزين آنذاك. اشتهر الغزالي بتنوع معرفته وقدراته النقدية التي بدأت تتضح مع كتاباته الأولى والتي ركز فيها على فلسفة أرسطو والنظام العقائدي للأشعريين. ومع ذلك، فإن تجربته الشخصية القاسية خلال حياته أدت به إلى ترك عالم التعليم الأكاديمي مؤقتاً حتى عاد بعد فترة انعزال للكتابة والإرشاد الديني مرة أخرى.
من أشهر أعمال الغزالي "إحياء علوم الدين"، وهو عمل شامل يجمع بين الرؤى الإسلامية والمناقشات الفلسفية حول طبيعة الإنسان ومقاصد الحياة. كما ألف أيضاً "تهافت الفلاسفة"، الذي نقد فيه الأفكار الفلسفية المعروفة آنذاك بطريقة تحافظ على جوهرها لكنها ترفض بعض خصائصها المثيرة للجدل بالنسبة للمعتقدات الإسلامية التقليدية. بالإضافة لذلك كتب العديد من الأعمال الأخرى بما فيها التعليق على الحديث الشريف وتفسير القرآن الكريم وغيرها الكثير مما جعل منه مرجعاً أساسياً لكل من طلّب العلم والمعرفة خلال عصره وما بعده.
العظمة الحقيقية لأبي حامد تكمن ليس فقط في عمله الوفير ولكن أيضا في تأثيره المستمر عبر الزمان المكان؛ فقد كان له دور مهم جداً في تشكيل الخطوط العريضة للفكر الإسلامي ككل وكذلك توجيه موقف المسلمين تجاه مختلف المواضيع الاجتماعية والثقافية والفكرية والأخلاقية. وبالتالي يستحق هذا العالم الكبير تقديرنا وإجلالنا باعتباره أحد ألمع نجوم النهضة الإسلامية والذي استطاع الجمع بين التفكير المنفتح والمبادئ الدينية الراسخة ليقدم لنا نموذجا مميزا للتوازن الإنساني الداخلي بين روحانية الروح وفلسفة العقل.