على الرغم من آلام ومعاناة الكافرين في نار جهنم كما ورد في سورة ص، إلا أنهم مازالوا يشعرون بالحسرة والندم تجاه حياتهم الدنيا. وفي قولهم "ما لنا لا نرى رجالاً كنّا نعدّهم من الأشرار" حسب الآية الكريمة (ص/62-63)، يكمن شعور عميق بالندم وحسرة القلب.
هذا الالتباس بشأن معنى كلام الكافرين يجب توضيحه. عندما قالوا هذه العبارة، كانوا يقصدون الرجال الصالحين الذين اعتبروهم أشراراً في الحياة الدنيوية بناءً على معتقدات خاطئة لديهم وقتها. ويبدو أنهم الآن يندمون بشدة على خطاياهم وسلوكياتهم الخاطئة التي أدت بهم إلى هذه الحالة المريعة. إن استفهامهم ليس سؤالاً تعليمياً وإنما هو تعبير عن اندفاع المشاعر والألم النفسي.
أما بالنسبة لإمكانية معرفتهم بحالة أولئك المؤمنين خلال وجودهم في القبر أو العالم الآخر، فلا يوجد دليل شرعي واضح يدعم ذلك. فالقبور هي مرحلة انتقالية بين حياة الدنيا والحياة الأخروية، وهي حالة غامضة ومجهولة جزئيًّا حتى للمؤمنين والمؤمنات البارزين. لذلك، يُعتبر الحديث حول تفاصيل الأحوال الخاصة بالأشخاص داخل القبر خارج نطاق اليقين العلمي الذي يمكن الوصول إليه. بالإضافة إلى ذلك، فإن هول يوم القيامة وعظماته عظيمة للغاية -كما وصفها الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم- مما سيحرم الإنسان من التركيز على أمور أخرى مثل التعرف على مصائر أفراد آخرين بشكل فردي ودقيق. لذا، يبقى موضوع تحديد معرفة الأفراد بكل صغيرة وكبيرة متعلقة بمصائر بعضهم بعضًا مجرد ظنون مبنية فقط على افتراض وجود القدرة لدى البعض لفهم وفهم المزيد فيما يتعلق بهذا الجانب الغيب المطلق. وبالتالي، فإن فهم سوء حال فريق المؤمنين وقدرتهم على رؤية واقع الفريق الثاني المخالف لهم قبل دخوله النار نفسها يستند أيضاً إلى فرضية غير مؤكدة الدليل والمعنى ضمن السياقات المرتبطة بها.
وأخيراً، يجدر بنا التنبيه بأن حديث أهل النار حول مصائر الآخرين يعد نوعاً من التجلي العقلي والتعبير الوجداني الناجم عن شدة الألم والشدة التي يجدون نفسًا فيها بسبب اختيارهم طرائق الانحراف المستقبل عنها طريق الحق والصلاح الواضح أمام جميع الناس بغض النظر عن اعتقاداتهم الزائفة آنذاك.