لا أعلم فاكهةً أجملَ ولا أنظرَ من الرُمّان، ولولا أن أُنسبَ إلى المبالغة لقلت إنّها سقطت من الجنّة فتلقفناها، وإنّنا لم نُمنَحَها للأكل وإنّما لنُشبِّه بها الأشياء الجميلة. ها هنا تطوافٌ في جماليات الرُمّان، من جدّنا أوس بن حجر إلى أمنا شهرزاد. https://t.co/35TV3NxWNG
رُوي أنّ الأصمعي سأل رؤبة بن العجّاج عن شَنَب الأسنان ما هو، فأخذ رؤبة حبّة رُمّان وأومأ إلى بصيصها. أنا مغرمٌ جدًا بالخبر لأسباب أهمها أنّ السائل عالمٌ والمسؤول شاعر، وهذا يخالف المعتاد في عصورنا المتأخرة، ولعلّ العجب يزول إن علمت أنّ أرجاز رؤبة ووالده تحوي نصف اللغة من الغريب.
ومغرمٌ أيضا لأنّ رؤبة أجاب على السؤال بإيماءة، والإيماء عند أهل السيميوطيقا علامةٌ حاله حال الكلام. كان بإمكانه أن يستفيض في شرح ما يُقصد بالشَنَب فيقول إنّه ماء الأسنان وبردها ولمعانها، لكنه لن يكون أفصح منه حين تناول حبة رمانٍ وأومأ إليها. يا لدقة التشبيه! يا لفصاحة الإيماءة!
إن شُبّهت الأسنان بحبِّ الرُمّان نضدًا وبصيصًا، فحريٌ أن يُشبَّه ريق المحبوبة بما يتخلل الرُمّانةَ من العصير. يقول الجاهلي أوس بن حجر يصف ريق محبوبته: كأنّ ريقَتها بعد الكرى اغتبقتْ من ماءِ أصهبَ في الحانوتِ نضّاحِ أو من معتّقةٍ ورهاءَ نشوتها * أو من أنابيبِ رُمّانٍ وتفّاحِ.
ما قرأت البيتين السابقين إلا ووجدت طعم الرُمّان في فمي، حتى إنني أخشى على صيامك من حلاوتهما. ورغم أنّ التفاحَ أولى بالتمثّل لأنه قافيةٌ وينتهي به البيت، إلّا أنني لا أجد طعمه في البيتين كما أجد الرُمّان، ربما لكَلَفي بالأخير، أو لأنّ معنى التخلل أشبه بتكوين الرُمّانة!