- صاحب المنشور: عبدالناصر البصري
ملخص النقاش:
العولمة الاقتصادية: ظاهرة عالمية أدت إلى تداخل البلدان اقتصاديًا عبر التجارة والمنتجات والاستثمارات. وهي عملية ديناميكية تمتد عبر الحدود الجغرافية والثقافية والسياسية، حيث تتشابك المصالح الاقتصادية بين الدول الصناعية الكبرى والدول النامية. هذا الترابط يعرض المجتمعات العالمية لفرص وتهديدات متعددة الأوجه، مما يثير نقاشًا مستفيضًا حول كيفية مواجهة تحديات هذه الدورة الاقتصادية المتسارعة.
التأثيرات الإيجابية للعولمة الاقتصادية:
**التجارة الحرة**: إحدى الفوائد الرئيسية للعولمة هي زيادة حجم التجارة الدولية. تسمح حرية التجارة بتبادل السلع والخدمات بحرية أكبر بين الدول، مما يدفع عجلة النمو الاقتصادي ويحسن مستوى المعيشة. يمكن الوصول الآن لمجموعة واسعة من المنتجات الرخيصة والمبتكرة التي كانت غير متاحة سابقًا بسبب القيود التجارية التقليدية. كما تعزز التجارة الحرة الاستثمار الأجنبي المباشر الذي يحفز خلق فرص العمل والتطور التكنولوجي.
**الاستثمارات الخارجية*: تشجع العولمة الشركات الأجنبية على توسيع عملياتها خارج حدودها الوطنية. توفر هذه الاستثمارات رؤوس أموال وموارد جديدة للمجتمعات المضيفة، وقد تساهم أيضًا في تحسين البنية الأساسية والنقل والإنتاجية. بالإضافة لذلك، تساعد نقل خبرات الإدارة الحديثة وإدارة الأعمال إلى تلك الاقتصادات الناشئة.
التأثيرات السلبية للعولمة الاقتصادية:
**خلق عدم تكافؤ**: إن الفوارق بين غنى الفقراء والفقراء ليست فقط قضية داخل كل دولة ولكن أيضا بين بلدان مختلفة. تؤدي العولمة الاقتصادية إلى تقليص العمالة المحلية لصالح استقدام عمالة رخيصة أو توظيف شركات خارجية. وهذا يؤدي لتزايد البطالة وضغوط انخفاض الأجور محليا، خاصة لدى اليد العاملة ذات المهارات المنخفضة.
**الإنتاج الضخم البيئي والاجتماعي**: الإسلام ينادي بالحفاظ على كوكب الأرض والحفاظ عليه للأجيال المقبلة؛ إلا أن سيادة السوق الرأسمالية قد أدت لإهمال الاعتبارات الأخلاقية والبيئية عند اتخاذ القرارات الاقتصادية. تصنع المواد الاستهلاكية اليوم بنسب إنتاج ضخمة، كثير منها يتخلص منها بعد استخدام واحد قصير العمر. وهذه العملية تولد كميات هائلة من النفايات تضر بصحة الإنسان والكائنات الأخرى وصحة النظام البيئي العالمي برمته.
دور التعليم والوعي الثقافي والمعرفي:
لتعزيز القدرة على التعامل مع تأثيرات العولمة بطرق عادلة ومنصفة، يُشدّد الإسلام على أهمية العلم والتعلُُّم المستمر. فهو يساعد الأفراد والشعوب على فهم تداعيات قراراتها الاقتصادية وقدرتها على المنافسة العالمية. يقضي القرآن الكريم بالعلم بأسلوب مباشر وغير مباشر عبر الآيات والأحاديث المطهرة. فعلى سبيل المثال يقول الله عز وجل "إنَّما يَخشى اللَّـهَ مِنْ عِبادهِ الْعالِمون" [فاطر :28] ، مؤكدًا ارتباط الخشية لله تعالى بالتطوير العقلي والعلمي.
كما يشترط الرسول صلى الله عليه وسلم طلب العلم قبل أي شيء آخر، إذ قال: "طلب العلم فريضة على كل مسلم". ومن هنا يستمد المسلمون توجيههم نحو معرفة أفضل الطرق للاستخدام الأمثل للفوائد الاجتماعية للتعليم لتحقيق تأثير أكثر توازنًا واستدامة للعولمة الاقتصادية. فالعلم ليس مجرد مصدر قوة اقتصادية ولكنه كذلك عامل مهم للتكامل الإنساني والتنمية البشرية المستدامة.
وفي النهاية فإن الإسلام يدعو المسلمين جميعا لاستخلاص العبر فيما يحدث لهم ولغيرهم، وأن يسعى الجميع لبناء مجتمعات أكثر عدلاً وإنصافاً وسط أجواء عالمية شديدة التحول والتقلب. فالاعتدال والتوازن هما المفتاحان الرئيسيان لفهم الدين والسلوك وفق هداية الرب جل جلاله.