أمريكا وأوروبا: رؤية مشتركة أم تنافس متزايد؟

مع تصاعد النفوذ العالمي لأمريكا وأوروبا، يبرز التساؤل حول طبيعة علاقاتهما الثنائية. هل هي شراكة استراتيجية تتسم بالانسجام والتعاون المشترك، أم أنها تت

  • صاحب المنشور: عبدالناصر البصري

    ملخص النقاش:
    مع تصاعد النفوذ العالمي لأمريكا وأوروبا، يبرز التساؤل حول طبيعة علاقاتهما الثنائية. هل هي شراكة استراتيجية تتسم بالانسجام والتعاون المشترك، أم أنها تتحول تدريجياً إلى منافسة حادة على قيادة العالم؟ هذا النقاش يدور حاليًا بقوة بين الخبراء والعالمين السياسي والدبلوماسي.

رغم تاريخهما الطويل من التحالف والإنجازات المشتركة، أصبح هناك شعوراً متنامياً بالتباعد والتناقض بين أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية خاصة منذ نهاية الحرب الباردة. الولايات المتحدة، كقوة عالمية مهيمنة، ترى نفسها الرافعة الأساسية للأمن القومي الأوروبي وقد عملت بهذا الدور لسنوات طويلة. لكن ظهور روسيا والصعود الاقتصادي للصين فرض تحديات جديدة أجبرت كلتا المنطقتين لإعادة النظر باستراتيجيتيهما الدولية.

على الجانب الآخر، تشهد أوروبا تحولات عميقة داخل حدودها أيضاً؛ حيث تعمل نحو بناء قدرات دفاعية مشتركة أكثر استقلالية ضمن مشروع الدفاع الأوروبي، معتبراً ذلك خطوة ضرورية لمواجهة المخاطر المتزايدة والأزمات الإقليمية التي يتطلب مواجهتها قدر أكبر من الاستجابة الذاتية. هذه الخطوات تستثير مخاوف واشنطن بشأن تقويض دورها التاريخي في المنطقة وتقليل الاعتماد عليها للدفاع عن مصالحها الخاصة.

بالنظر للعلاقات التجارية، فإن العديد من السياسيين الأمريكيين يشكون من فائض التجارة الذي تتميز به بعض الدول الأوروبية وأنها تقوم بتقييد دخول المنتجات الأمريكية للسوق الأوروبي بينما تسمح بحرية الوصول إليها لسوقهم المحلي مما يعرض العاملين والمصانع الأمريكية للمنافسة غير العادلة وفق وجهة نظرهم. وفي المقابل، تعبر المؤسسات السياسية الأوروبية عن عدم رضاهم تجاه سياسات الحماية الجمركية المفروضة حديثاً والتي ينفذها الرئيس ترامب بحجة حماية الصناعة الوطنية.

بالإضافة لذلك، تختلف وجهات النظر حول قضاي مهمة الأخرى مثل العقوبات ضد إيران وروسيا، وبرامج مراقبة الإنترنت العالمية واتفاق باريس حول المناخ. تُظهر الاختلافات الملحوظة مدى اختلاف الأولويات والثوابت السياسية لدى البلدين رغم التقارب الثقافي والحضاري الواضح بينهما.

إذا كانت الغالبية تعتقد بأن الشراكة الأمريكية الأوروبية ستظل قائمة لما فيه خير الجميع مادامت هناك رغبة صادقة لتحقيق توازن المصالح واستيعاب احتياجات الأطراف المختلفة، إلا أنه يجب الاعتراف بأنه يوجد بالفعل توتر واضح ومحفز للتنافس المستقبلي نتيجة لتغيرات الظروف العالمية وقرارات سياسية محلية ذات دوافع مختلفة تمامًا لكل طرف. ويبدو الآن بروز صورة مستقبلية محتملة تكون فيها العلاقات الأمريكية -الأوروبية أقل انسجاماً مما اعتدناه سابقًا بسبب عوامل عديدة منها المثال السابق الذكر وغيرها التي سوف تؤثر بلا شك على نمط العلاقات الثنائية لكلا الطرفين خلال السنوات القادمة.


رنا بن قاسم

8 Blog posting

Komentar