الوقفة الثالثة والعشرون:
بعد فتح مكة فرّ عكرمة ابن أبي جهل جهة البحر، وكان من المهدَرة دماؤهم، ثم أتت أم حكيم بنت الحارث زوجة عكرمة إلى رسول الله ﷺ بعد أن أسلمتْ؛ لتشفع له عنده رسول الله ﷺ، وقالت: قد هرب عكرمة منك إلى اليمن، وخاف أن تقتله فأمّنه.
فقال لها ﷺ: «هو آمن».
وذهبَتْ حتى وصلتْ في رحلة طويلة إلى عكرمة وهو يحاول أن يركب سفينة في ساحل البحر الأحمر متجهًا إلى اليمن، فقالت له: يا ابن عم، قد جئتك من عند أَوْصَلِ الناس، وأبرِّ الناس، وخيرِ الناس.. لا تُهلِك نفسك، إني استأمنت لك محمدًا ﷺ.
فقال لها: أنتِ فعلتِ هذا؟!
قالت: نعم.
وعاد عكرمة بن أبي جهل إلى مكة المكرمة، وقبل أن يدخلها إذا برسول ﷲ ﷺ يقول لأصحابه بكل رفق ولين: «يأتيكم عكرمة بن أبي جهلٍ مؤمنًا مهاجرًا، فلا تسبُّوا أباه، فإن سبّ الميّت يؤذي الحي، ولا يبلغ الميت».
«زانَتْكَ في الخُلُقِ العظيمِ شمائلٌ
يُغرَى بهنّ ويُولَعُ الكرماءُ
فإذا سخوتَ بلغتَ بالجودِ المَدَى
وفعلتَ ما لا تَفعلُ الأنواءُ
وإذا عفوتَ فقادرًا ومقدَّرًا
لا يستهينُ بعفوِكَ الجُهلاءُ»
صلى الله عليه وسلم تسليمًا كثيرًا ﷺ