مركز كارينغي:
طهران تضع يدها على القضية الفلسطينية?
إيران تستغل القضية الفلسطينية، لإلحاق الضرر بخصومها العرب والحصول على النفوذ الإقليمي
يمكن استنتاج خلاصات كثيرة من الهجمات التي نفّذتها حماس على البلدات الإسرائيلية، لكن الأمر الذي لا جدال فيه أن ما رأيناه في غزة، ولا نزال، هو استيلاء إيران على القضية الفلسطينية.
ما من شكٍّ عمليًا أن تكتيكات حماس جرت بالتنسيق مع إيران وحزب الله. وشهدت الأشهر الأخيرة تكثيف الاتصالات بشكل واضح بين كلٍّ من حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي، إذ باتت بيروت مؤخرًا مقرًّا لقيادات بارزة في الحركتَين الفلسطينيتَين.
قدّمت هذه الأطراف جميعًا، من خلال التخطيط لهذه العملية الضخمة، بديلًا لنموذج السلطة الفلسطينية البائسة التي خسرت الدعم الشعبي وباتت تترنّح في ظل قيادة فاسدة وطاعنة في السن.
في هذا السياق تحديدًا ينبغي قراءة الجولات الأخيرة من الاشتباكات التي شهدها مخيم عين الحلوة الذي يُعدّ أكبر مخيم للاجئين الفلسطينيين في لبنان، بين حركة فتح، وهي المنظمة الفلسطينية الرئيسة، وفصائل إسلامية أصغر. مع أن فتح، التي لطالما كانت مُهيمنة في المخيمات الفلسطينية في لبنان، لم تُمنَ بالهزيمة، يبدو أن قوّتها قد ضعفت.
نفت حماس أي دور لها في تلك المعارك، لكن الكثير من المراقبين في لبنان يعتبرون أن الفصائل الإسلامية استفادت من المساعدة التي قدّمها خلسةً كلٌّ من حزب الله وحماس.
في الواقع، تقف القضية الفلسطينية عند مفترق طرق. فعباس اليوم في سن السابعة والثمانين وشعبيته في أدنى مستوياتها على الإطلاق. وقد تجلّى هذا المزاج القاتم في استطلاع أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في شهر يونيو 2022.
تتابع إيران وحزب الله عن كثب الاستياء السائد في المناطق الفلسطينية، وقد سعيا إلى تشكيل سردية مضادة في وجه عملية السلام وحل الدولتَين.
إيران منخرطة في عملية من ثلاث مراحل تتمثّل في إضعاف فتح، وتوفير نموذج بديل للنشاط الفلسطيني، ودفع حماس إلى الواجهة باعتبارها منظمة قادرة على أن تصبح في نهاية المطاف الممثّل الأساسي للشعب الفلسطيني.
أما المرحلة التالية، بعد أن تخمد أعمال العنف، فستنطوي على إجراء مفاوضات لضمان الإفراج عن عشرات الرهائن الإسرائيليين الذين أسرتهم حماس. لكن من الصعب تخيّل ألا تؤدّي هذه الخطوة في المقابل إلى تحرير عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين. وستضع هذه المفاوضات حماس في قُمرة القيادة.
ستُترجم المكاسب التي ستحقّقها حماس إلى خسائر تتكبّدها فتح المحاصرة من الجهات كافة. وعلى هذا الأساس، من الصعب تصوّر كيف يمكن أن تخرج فتح من هذا المأزق، ولا سيما إذا أُجريت في نهاية المطاف الانتخابات الفلسطينية مجدّدًا.
https://t.co/HHdffPKjv4
مركز كارينغي:
نفاق إيران يزيد معاناة الفلسطينيين
يعمل الإيرانيون ببساطة على استغلال الطريق المسدود الذي بلَغَته معادلة "الأرض مقابل السلام" طيلة العقود السابقة، وفشلها في النهاية.
ترى إيران أن هذه المعركة تندرج في إطار الصراع الإقليمي على النفوذ. ففيما تصرّف الأميركيون والأوروبيون، بتشجيع من إسرائيل، وكأن مصير الفلسطينيين يحتلّ مرتبة ثانوية لصالح التسويات بين الدول العربية وإسرائيل، اعتمدت طهران نهجًا معاكسًا.
يكمن نفاق إيران في أن المسار الذي تنتهجه، والمتمثّل في إعادة إطلاق شرارة النزاع الفلسطيني المسلّح، لن يمنح على الأرجح الفلسطينيين الحقوق التي يستحقونها.
بل على العكس، يُرجّح أن يؤدّي انتشار الاشتباكات المسلّحة في الضفة الغربية، على نحو شبيه بما جرى في غزة، إلى اندلاع نزاع مروّع يفضي إلى نزوح فلسطيني جماعي عبر الحدود الأردنية. ولن يُسمح لهؤلاء الفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم، تمامًا كما حدث مع الذين غادروا في العامَين 1948 و1967. وسيتعرّض الفلسطينيون أيضًا إلى جولة جديدة من التطهير العرقي، تترافق مع زعزعة استقرار النظام الملكي الأردني. وسيكون ذلك بمثابة دقّ مسمار آخر في نعش النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط.
على الرغم من كل ما يمكن قوله عن الإيرانيين، يبقى أنهم أدركوا أن القضية الفلسطينية ما زالت حية تُرزَق، وأن بإمكانهم استغلال هذا الواقع لإلحاق الضرر بخصومهم العرب وإضعاف مكانة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. باتت إيران إذًا تُمسك زمام المبادرة. هذا مؤسف ربما، لكن أي شخص تابع الشؤون الفلسطينية عن كثب أمكنه أن يتوقّع حدوث أمرٍ من هذا القبيل.