#قصة .
( المهّرب الوفي ) . يقول رجل خدم في حرس الحدود في الثمانينات الهجرية قبل مايزيد عن خمسين عاما ، كنت سائقا بارعا وإذ ذاك كان هذا من أهم الشروط للالتحاق بحرس الحدود هو المهارة المتناهية في السياقة ومعرفة الأرض وسهولها ووديانها وشعابها وماصعب من تضاريسها والمهارة الأخرى هي الرماية الذين يستطيعون التصويب على الكفرات لتعطيل سيارات المهربين ونادرا يتم الاطلاق على المهربين الا إذا بدأوا باطلاق النار وهي عبارة عن مطاردة تنتهي إمّا بالقبض على المهرب أو بنجاته بغنيمته التي هرّبها من الدول المجاورة عندما يدخل حدود المدن ونتوقف عن مطاردته . أنشئ مركز جديد على الحدود مع العراق ونقلوني رئيسا لهذا المركز كسواق ومعي اثنان من القناصة ، وكان المركز عبارة عن ثلاث غرف متنقلة واحدة نطبخ بها وأخرى ننام وثالثة نحتفظ فيها بسلاحنا ومعداتنا وملابسنا وطعامنا ، كانت
ورديتنا تستمر أسبوعين ومن ثم نغادر اجازة أسبوعين ، وطوال هذين الأسبوعين نواظب على المراقبة وتمشيط المنطقة بالمناظير ، كان وقت شتاء وما إن نصحو ونصلي الفجر ، نفطر فطورا بسيطا قهوة وشاي وشابورة ، ثم يبقى واحد يصعد على ظهر الغرفة بمنظاره ويراقب في النهار يلمح الغبار وفي الليل نور السيارات ، وينام الآخران . في يوم بارد بعد أن أفطرنا ، صعد المكلف بالمراقبة وقال : سيارة ياعيال . فركبت السيارة جمس ومعي القناصان داخل الغمارة وبدأت المطاردة ، كان المهرب خبيرا بالأرض وماهرا بالسواقة ، بدأنا من الصباح ، في البدء يبقى المهرب يحاذي الحدود العراقية تمويها ومن ثم يدخل إلى الأودية داخل الأراضي السعودية ، وبدأ يدخل من طريق لطريق وكأنه ينظر باطن كفه وكاد أن يفوتنا ولم نستطع الامساك به وانتصف النهار حتى أصبح قريبا من بريدة ولم يبق الا ثلاثين كيلو وإذا دخل المدينة ضاع ولا نستطيع أن نمسك به ،حتى اقتربنا من شعيب أنا أعرفه وهو
له مدخل واحد ،فقلت لصاحبي تمسكا جيدا ، أريد أقطع عليه الطريق، فوضعا بندقيتيهما بين أقدامهما ورفعاها على الطبلون ورفعا ايديهما الى سقف السيارة حتى لايتأثرا بقوة الاصطدام عند هبوط السيارة ، وزدت سرعتي إلى الجرف وقفزنا فأصبحنا أمام المهرب وليس له منفذ إلا الطريق الذي وصلناها وانتظرناه على أهبة الاستعداد مصوبين السلاح إليه ، فأقبل إلينا بسيارة شفر أزرق وانيت، ونزل من السيارة رافعا يديه وهو يبتسم وقال ؛ لاتعبتم ، قلنا ؛ هلكتنا من الصبح للظهر أكثر من ٤ ساعات . وقام أحد القناصة بالصعود الى ظهر الشفر وتفتيشه فإذا هو مملوء هيل وسكر وقهوة وهذه مخالفتها بسيطة مصادرة البضاعة وليست كتهريب الدخان . كان المهرب ذا وجه سمح ومعه شاب بالغمارة لايتجاوز ١٧ سنة . قال المهرب : يالربع عندي لكم راي موافق وش رايكم أنا جايب لي نص غزال من العراق نتغدى وبعد ذلك نتيسر ، وألاّ حنا تعبانين وجوعانين وتافلين العافية ، فنظرت لعيون خوياي وإذ هم سامحين ، قلت ؛ تم . وهو يقوم وينزل عزبته ومعاميله ويحط فرش ومراكي ويصلح شاي وقهوة وحنا بطرف هالشعيب ونتقهوى وساعة ونص والا هالغدا الجاهز ( تمّن عراقي ولحم ظبي ) وأكلنا والآن سنقوم بسياقة السيارة وتسليمها لأقرب مركز حدود لنا ، وإذ بالشاب يقوم عليّ ويسلم علي ويحب راسي وخشمي وقال ؛ والله البضاعة ماهي للرجال ، البضاعة لي وأنا يتيم ومستأجره سواق وهذي البضاعة والله إني بايع غوايش أمي عشان أجيبها ، داخل على الله ثم عليك ،
فشاورت زملائي فأشاروا علي بأن نتركهم ، قلت : يالله لا شفناكم ولا شفتونا ، وتركناهم . مضت السنون وبعد أن تقاعدت وتركت حرس الحدود ، حجزت عند قصر أفراح ببريدة لزواج حفيدي ، وأخذت المبلغ ٨٠٠٠ لأسلمها لصاحب القصر فدخلت وإذ هو ومحاسب مصري أعطيته الفلوس وأعطاها لصاحب القصر وأعطيته بطاقة الأحوال حتى يكتب العقد ، فنظر للبطاقة وقال ؛ أنت فلان ؟ قلت ؛ نعم ، أين تعمل ؟ قلت ؛ متقاعد من حرس الحدود . قال ؛ تذكر راعي شفر أزرق طردتوه ؟ قلت ؛ أذكر السالفة ، قال ؛ عطني مارية ؟ قلت السواق به جرح بيده . قال :
صدقت ، وقام وسلّم علي وقال ؛ حسابك مدفوع . قال ؛ أنا الولد اللي مع المهرب وطلبتك تفكنا وهالقصر والخير اللي جاني من تلك السفرة ، وتراكم معزومين الخميس غدا والعشاء وتكاليف العرس على حسابي والله معروفكم ما أنساه .
وهذه القصة كاملة مع المبدع حسن الهويمل ( )
https://t.co/Q7GKXkrwM1