الزواج مؤسسة مقدسة تهدف إلى تحقيق الاستقرار الاجتماعي والاستمرارية الجينية للإنسانية. إن النظر إلى الزواج عبر عدسة القضاء والقدر يُظهر لنا وجهًا عميقًا ومعقدًا لهذه الظاهرة الاجتماعية الهامّة. فالقرآن الكريم والسنة النبوية هما المصدران الرئيسيان الذين يكشفان عن دور القدر الإلهي في تنظيم العلاقات الإنسانية بما فيها الزواج.
يدعونا الحديث النبوي الشريف بشأن الزواج إلى التفكير مليًّا في أهميته لبناء مجتمع صالح ومستقيم. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرجِ, وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وَجَاءٌ". يشير هذا الحديث إلى أن الزواج ليس مجرد خيار شخصي بل واجب ديني لمن يستطيع تحمل مسؤولياته المالية والعاطفية تجاه شريك الحياة. ويؤكد أيضًا على دور الزواج كوسيلة لإشباع الغرائز بطريقة صحية وحلال وفق تعاليم الإسلام.
إن تدبير جميع الأمور وفق خطة إلهية مُسبقة هي أحد العقائد الإسلامية الرئيسية. فقد قضى الله القدير بمقادير كل الأشياء منذ القدم، سواء كانت مادية كالرزق والأرزاق، أو معنوية مثل المصائر الشخصية والحياة الزوجية. يؤمن المؤمن الحق بأن ما يحدث له خير لأجل حسن ظنه بربه وتوكله عليه سبحانه. لذلك عندما نواجه تحديات في طريق البحث عن شريك حياة مناسب، ينصحنا ديننا الحنيف بالإقبال على الطاعات والصبر واحتساب الأجر عند الله عز وجل. كما يدعوننا للاستشارة والتوجيه الروحي عبر أدعية الاستخارة المعروفة والتي توفر فرصة لتحديد الطريق الأكثر صلاحًا وصوابًا حسب رؤية رب العالمين. وفي نهاية المطاف، يسعد الرب جل جلاله بتلبية دعوات عباده المجتهدين والثابتين في طاعتهم له ولرسوله الكريم.
وبالتالي، يمكن فهم علاقتنا بالعلاقات الزوجية ضمن منظومة شاملة قائمة على إيمان راسخ بالقضاء والقدر. فنحن نختار بناءً على إرشادات الشرع ونضع ثقتنا الكاملة في حكم الخالق الرحيم فيما يتعلق بمصائرنا الفردية والجماعية. إنه توازن رائع بين الحرية الشخصية والمسؤولية المجتمعية والتوكل التام على حكم الله الواحد القهار.