يعتبر البحر الأبيض المتوسط أحد أهم المسطحات المائية العالمية لما يحمله من ثراء تاريخي وجغرافي فريد. يقع هذا البحر الكبير بين قارتي أوروبا وآسيا من جهته الشرقية، وبين أفريقيا وشبه الجزيرة الأيبيرية (إسبانيا والبرتغال) من ناحية غربه. تشكل هذه المنطقة مركز اتصال مهم بين الثقافات القديمة والمعاصرة، مما جعل منه مسرحاً لأحداث كبرى عبر التاريخ.
من الناحية الفلكية، يمكن تحديد موقع البحر الأبيض المتوسط بدقة بحوالي 30-46 درجة شمال خط الاستواء، و50-36 درجة غرب جرينتش. يشغل مساحة هائلة تبلغ حوالي ٢٫٥١ مليون كيلومتر مربع، وهو ما يعادل تقريباً ضعف حجم الولايات المتحدة الأمريكية. وعلى الرغم من ذلك، فإن العمق الفعلي لبحره ليس عميقاً للغاية؛ إذ يبلغ متوسط عمقه نحو ١,٥٠٠ متر فقط. ومع ذلك، هناك بعض الأعماق الهائلة مثل خندق سيلا الواقع جنوب اليونان والذي يصل عُمقه لحوالي خمسة آلاف متر تحت مستوى سطح الماء.
تصنيفياً، يرتبط البحر الأبيض المتوسط ارتباط وثيق بالمحيط الأطلسي عبر مضائق جبل طارق والتي تربطه بمياه الأطلس شرق المغرب وغرب إسبانيا مباشرةً. بالإضافة لذلك، يتم تصنيفه كجزءٍ أساسي لمحيطات العالم ضمن "بحيرات مفتوحة" نظرًا لعدم وجود حواجز طبيعية تحجبه تمامًا عن باقي أجزاء المحيط الأكبر.
وفي الجانب الطبيعي للجغرافيا البحرية، تتقاسم منطقة البحيرة عدة خصائص جيولوجية مميزة بما فيها انتشار الأخاديد الكنتينية التي تشهد نشاط زلزالي مستمر نتيجة حركة الصفائح الأرضية بالقرب منها. وهذه الظاهرة لها آثار كبيرة على المدى الطويل فيما يتعلق بصيانة شبكات المواصلات والتمدد العمراني حول ضفافه المختلفة.
كما ذكرنا سابقاً، يعد البحر الأبيض المتوسط نقطة ارتكاز رئيسية للدول الثلاث الرئيسية وهي أوروبا وأفريقيا وآسيا حيث يمثل ممر مرور حيوي لكافة أشكال التجارة الدولية منذ القرون الأولى لتأسيس المدن القديمة عليه حتى يومنا الحالي. ويتضمن قائمة طويلة تضم أكثر من عشرون دولة ساحلية تمتلك حدود بحرية مشتركة مع هذه الرقعة المائية الثمينة. ومن أهم هذه البلدان نجد فرنسا وإيطاليا واسبانيا وايضا مصر وليبيا والجزائر وغيرها العديد.
إن الموقع المركزي للبحر الأبيض المتوسط يسمح بأن يكون نموذجًا مثاليًا للتبادلات التجارية والسياحية والثقافية مما يعمل كمصدر قوة مجتمع دول الإقليم الاقتصاديين والعلمانيات المشتركة بين سكان سكان المناطق المطلة عليها. وهكذا يستعرض هذا الموضع دوره المحوري كحلقة وصل ثقافي واقتصادي ونقطة استراتيجية عالمية بارزة منذ القدم حتى وقتنا المعاصر.
