تقع بحيرة ساوة، إحدى أغرب البحيرات في العالم، في جنوب جمهورية العراق، تحديداً في محافظة المثنى، على بعد حوالي ٢٣ كيلومتراً من مدينة السماوة. إنها بحيرة عذبة تشكلت بشكل طبيعي نتيجة تراكم المياه الجوفية المالحة عبر الصدوع والشقوق القائمة تحت أرضها الصلبة والرملية. تتميز البحيرة بطابعها الفريد؛ فهي ليست مرتبطة بنهر كبير كالعديد من البحيرات الأخرى، ولكنها تعتمد فقط على المياه الجوفية لتغذيتها. هذا النظام الهيدروجيولوجي الفريد يعطي البحيرة خصوصيتها اللافتة للنظر.
اسم "بحيرة ساوة"، والذي يمكن ترجمته أيضًا إلى "البحيرة العجيبة" نظرا لعجائبها العديدة، يأتي من مجموعة متنوعة من خصائصها الفريدة. أولاً، تحتوي البحيرة على أسماك ذات حجم صغير جداً - أقل من عشرة سنتيمترات - والتي تعيش بدون رؤية لأن عيونها غير وظيفية تماماً. هذه الأسماك شفافة وذات محتوى عالٍ من الدهون مما يجعل لحمها يذوب أثناء الطهي.
من الناحية العلمية، تعدّ البحيرة مثالا فريداً لما يعرف باسم "البحيرات الداخلية". مستوى ملوحة مياهها أعلى حتى من تلك الموجودة في البحار المفتوحة، بينما ترتفع فوق سطح الأرض بما يقارب الخمسة عشر متراً عن مستوى نهر الفرات المحاذي لها. وعلى الرغم من ارتفاعها وانتظام تساقط المياه منها، إلا أن توازن الدورة المائية يسمح بتجديد منابعها باستمرار. كما وأن انحدار أرضها نحو الشرق يشير إلى وجود نظام هيدروليكي دقيق يعمل خلف الكواليس.
أما بالنسبة لمنطقة البحيرة الخارجية، فتغطي الصحراء معظم مساحة المنطقة المحيطة بها لكن يوجد عدد محدود جدا من الأعشاب البحرية والطحالب الصغيرة كون البيئة ضارة نسبياً بالنباتات العليا. ومع ذلك، فإن الحياة البرية حول البحيرة نابضة بالحياة ومتنوعة. تضم قائمة الأنواع الحيوانية الموجودة هناك الزواحف والثدييات الصغيرة والطيور البحرية المختلفة والحشرات المختلفة أيضا. رغم ظروف المعيشة القاسية للهواء الجاف والساخن وحركة الرياح المستمرة، نجحت العديد من أشكال الحياة بأن تثبت وجودها هنا وبصمود أمام تحديات بيئتها القاسية.
في النهاية، إن رحلة الاكتشاف لهذه البقعة الجميلة تكشف كثيرا عن جمال واحتمالات خلق الله سبحانه وتعالى ورحمته الواسعة بنا جميعا عندما نبحث عن النقاط الإيجابية وسط أجواء صحراوية قد تبدو قاحلة وخالية للإنسان العابر ولكنها مليئة بالأبداع والغرائب التي تستحق الاستكشاف والتقدير والدراسة الأكاديمية والعلمية كذلك!
