ابن الهيثم، المعروف أيضاً باسم البتاني، هو واحد من أكثر العلماء العرب تأثيراً في تاريخ الفكر الإنساني. ولد حوالي عام 965 ميلادي في مدينة البصرة العراقية، واشتهر بإسهاماته القيمة في مجالات الرياضيات، الفيزياء، الفلك، وعلم البصريات بشكل خاص. يُعتبر كتابه "كتاب المناظر"، الذي نُشر لأول مرة في القرن الحادي عشر، عملًا رائداً في مجال علم البصريات وأحد أهم المؤلفات التي أثرت بشدة في تطوير النظرية الحديثة للبصرية.
كان لابن الهيثم منهج بحثي متميز يقوم على التجريب والملاحظة المباشرة للعالم الطبيعي، مما جعله أحد رواد الطريقة العلمية قبل قرون عديدة من ظهورها كمنهج رسمي. بدلاً من الاعتماد فقط على التأكيدات القديمة أو التأويلات النصية، قام بتطوير تجارب بسيطة ولكن دقيقة لتأكيد فروضه وتفنيد نظريات قديمة كانت سائدة آنذاك. هذا النهج الثوري جعل من دراسته لبنية العين وكيفية عمل الرؤية خطوة هامة نحو فهمنا الحالي لهذه العمليات البيولوجية والمعرفية.
في مجال الرياضيات، ترك ابن الهيثم بصمة كبيرة أيضًا. لقد طور طرقاً جديدة لحساب المساحات والأحجام ثلاثية الأبعاد، بما في ذلك طريقة حساب مساحة المخروط، وهي تقنية ما زالت تُدرس حتى اليوم ضمن دورات الهندسة المتقدمة. كما أنه ألف العديد من الأعمال الأخرى حول الجبر والحساب والجبر المثلثاتي، والتي تعد جزءًا أساسياً من تراثنا الثقافي الإسلامي والعربي المشترك.
إلى جانب هذه الإنجازات الرائعة، كان لابن الهيثم إسهامات ملحوظة في المجال الفلكي أيضًا. فقد وضع نظرية حول حركة الشمس والقمر بناءً على ملاحظاته الدقيقة للسماوات، ونظريته الشهيرة بشأن انقلاب الشفق اعتمد عليها علماء لاحقون مثل جيوفاني باتشولي في القرن الرابع عشر الميلادي.
إن حياة وابنالهيثم وإبداعاته العلمية هي شهادة قوية على القدرة البشرية على الابتكار والتقدم عبر الزمان والمكان. إن إرثه ليس مجرد ذكرى لفيلسوف ورياضي عبقري فحسب، ولكنه مصدر إلهام مستمر للمفكرين العصريين الذين يسعون إلى تحقيق تقدم جديد في مختلف جوانب الحياة.
