رحلة البحث عن الحقيقة: درس الهداية والفداء في قصة موسى والخضر

في رحلة بحث الروح الإنسانية عن الحقيقة والهداية، نجد قصصاً تحكي لنا دروساً عميقة ومتعددة الأبعاد. واحدة من هذه القصص هي القصة التي تجمع بين النبي موسى

في رحلة بحث الروح الإنسانية عن الحقيقة والهداية، نجد قصصاً تحكي لنا دروساً عميقة ومتعددة الأبعاد. واحدة من هذه القصص هي القصة التي تجمع بين النبي موسى عليه السلام وخادمه الصبور، الرجل العابد أبو لُبَابَة بن عبد المنعم المعروف باسم "الخضر". هذا الشخص الغامض ذو العلم الرباني كان له دور مهم جداً في حياة النبي موسى، حيث قام بتعليماته بعض الدروس القيمة حول طبيعة القدر والإيمان بالله تعالى.

تبدأ القصة عندما طلب موسى - عليه السلام - من الله سبحانه وتعالى أن يرشده إلى شخص يعلمه ما لم يكن يعرف. استجاب الله لدعاء موسى فأمره بالتوجه نحو البحر الأحمر وستجد فيه خادمًا عابدًا اسمه "الخضر". انطلق موسى يسعى خلف هدفه حتى التقى بهذا العالم الفريد الذي وافقه على مرافقته بشرط واحد فقط؛ وهو عدم سؤال موسى ولا اعتراضه عليه مهما رأى من أعمال غريبة ومخالفة للأخلاق.

بدأت الرحلة وقد شاهد موسى خلالها ثلاثة أحداث غامضة للغاية وقعت أمام عينيه مباشرة ولكن بدون أي تشرح لها. الأولى كانت هدم سفينة بلا سبب واضح، الثانية قتل طفل بريء دون سابق إنذار، والثالثة إصلاح سور لأهل قرية فقيرة رغم عدم وجود علاقة تربطه بهم. كل مرة تساور الشكوك قلب موسى وأراد معرفة السبب ولكنه ظل ملتزمًا بشروطه للخضر حتى النهاية.

بعد انتهاء الرحلة وبينما هما متجهان إلى المنزل، كشف الخضر حقيقة تصرفاته الثلاثة المثيرة للاعتراض والتي بدت غير منطقية تمامًا بالنسبة لنبي كريم مثل سيدنا موسى. فقد تبين أنه قد تم هدم السفينة لأن ملك ظالم كان سيصادرها ويستخدمها لغزو بلاد المسلمين المنتفعين بها، بينما الطفل الذي قُتل كان لعائلة مسلمة تعيش تحت حكم حاكم جائر، وكانوا يحتفظون به كرهينة للحفاظ على سلامتهم. أما بناء السور فهو نتيجة لرغبة أهل القرية الفقراء الذين كانوا يستخدمونه لحماية أرضهم الزراعية الصغيرة مما يؤدي لتدفق مياه النهر عليها واستنزاف ريع زراعتهم السنوي.

وبهذه الطريقة تعلم موسى كيف يمكن لله عز وجل أن يقضي أموره برغم الظاهر المخالف لما ألفناه جميعا. فهم سر التجليات الإلهية الإنسانية وكيف تتجلى فيها علامات قدرة القدير وتسخير مخلوقاته لتحقيق مصالح عظيمة تفوق حدود منظور الإنسان البسيط والحس الحيواني الجارف لدى البعض. إنه درس في التصوف الإسلامي يدعونا للتساؤل والتدبر والتأمّل عوضًا عن التقليد الأعمى للعادات المتوارثة أو الأخذ بمظاهر الحياة الخارجية دون بصيرة داخلية صادقة تجاه الذات وإتقان الذات ومنطقيتها قبل الآخرين! وفي نهاية المطاف، اكتسب موسى المزيد من الحكم والعلم والمعرفة بحكمة الله الواسعة ونظرته البعيد المدى فيما ينفع عباده حقًا ودعا لهم قائلا:" رب افتح لي باب الحمد فإني أسألك علم خير فلا يحولن بي جهلاً ولا تعطيني شبه الفقر ". إنها رحلة مليئة بالحِكم والدروس المستخلصة منها لكل باحث حقيقي عن الحقيقة ومعنى الوجود بكل جوانبه المختلفة والمختلفة جدًا أيضًا!


رجاء المهنا

10 ब्लॉग पदों

टिप्पणियाँ