سهرت منه الليالي: رحلة الألم والأمل في مواجهة الظلم

في عمق قلب العاصمة التونسية، تكمن رواية مؤثرة كتبت حروفها يد التاريخ الأدبي عبر قلم الكاتب الكبير علي الدوعاجي. قصة تحمل اسم "سهرت منه الليالي"، وهي و

في عمق قلب العاصمة التونسية، تكمن رواية مؤثرة كتبت حروفها يد التاريخ الأدبي عبر قلم الكاتب الكبير علي الدوعاجي. قصة تحمل اسم "سهرت منه الليالي"، وهي واحدة من القصص الواقعية المؤلمة التي سلطت الضوء على جانب مظلم من الحياة اليومية للمرأة العربية. تدور أحداث الرواية حول زكية، تلك الفتاة الأُمية التي ارتبطت برجل ذكي ومتعلم ولكنه غارق في الهوس والقراءة والسكر.

تنطلق القصة عندما تقصد العمّة سمينة منزل إبنة أختها زكية لتجدها مغمورة بالحزن والبكاء. عبر الدموع المخفية خلف عينيها المنتفختين، تعترف زكية بخوف وخجل بأن حياة الزوجية أصبحت جحيماً. تصف كيف يقضي زوجها الساعات الطوال خارج المنزل وهو تحت تأثير الكحوليات، يعود فقط عند موعد الفجر تاركا خلفه بيئة مليئة بالعراك والصراخ والمزاج العنيف.

ليس فقط زكية وحدها هي ضحية هذا الوضع، بل حتى طفلها الصغير وجد نفسه هدفاً لأعمال العنف المرتبطة بشرب الخمر ومشاكل الشخصية لدى الوالد. تسرد زكية بصوت أجوف الحقيقة المريرة: "إنه لا يستيقظ قبل الثانية عشر ظهراً، وهذا أمر معتاد بالنسبة له... إذا صحى فهو لن ينام إلا بعد ساعات."

مع مرور الوقت، بدأت الأفكار تتسلل إلى ذهن الأم الواهنة بشأن عدم قدرتها على الاستمرار بهذا النمط من الحياة. ومع مرور يوم الزائر الكريم -أيعمتها المحبوبة- قررت أخيرا المواجهة. تحذرها العمّة بحزم وتصر على ضرورة اتخاذ إجراءات فورية لحماية نفسها وابنها من وحشية السلوك العدائية والمعاملة غير الإنسانية داخل أسوار منزلهم. تقول العمّة بتأكيد قاطع: "لا يمكنني مشاهدة هذا المستقبل المؤلم!".

لكن رد فعل زكية مفاجئ وغير متوقع تماما! فهي تخفض عينها خجلاً وترد برشاقة رقيقة تسمع بها الرقة والعجز أيضا: 'دعوه ينام المسكين.. فقد سهر كثيرا بالأمس.' هنا تكشف لنا نهاية مذهلة للقصة حيث يبدو أنها اختارت قبول المصير المأساوٍ وعدم التفكير بالمستقبل بشكل ايجابي. ربما لأن الخيار الوحيد أمام الكثير ممن هم مثيلاتها محدود للغاية.

هذه القصة ليست مجرد سرد للحياة اليومية لشريحة صغيرة فقط من مجتمعنا، إنها صوت مدوي يحاول جذب الانتباه لما تواجهه النساء العربيات من تحديات وصعوبات وضغوط اجتماعية هائلة تؤدي بهم إلى مثل هذه النهايات المفجعة أحياناً. تحت شعار \"سهرت منه الليالي\" يقدم الدوعاجي صورة صادمة مؤثرة ودروس عابرة للأجيال التالية حول أهمية احترام الذات والكرامة البشرية بغض النظر عن الطبقات أو الثقافات المختلفة. فالهدف الأكبر لهذه النصوص العالمية يكمن دائما فى التغيير نحو الأحسن وإرشاد الإنسان الى طريق الحق والخير مهما بلغ حجم الجروح وانكسارات النفس داخليا وخارجيا.


خولة الفاسي

25 blog messaggi

Commenti