ردٌّ على سؤال الأخ سراج الدرقاوي مع تقديرٍ لطرح القضايا الحيوية المتعلقة بثورة الذكاء الاصطناعي وآثارها المحتملة على الفقر العالمي، أحببتُ أن أغوص أكثر عميقاً في قضيتيْن أساسيتين برزتا خلال منشوركم الكريم: مسألة التأثير المحتمل على فرص العمل وما يتعلق بها من حاجة لإعادة التدريب والتوجيه المهني، بالإضافة إلى دور الحكومة والمجتمع المحلي تجاه مجتمع الطبقة العاملة العامل حالياً بأدوار تعتمد بدرجة كبيرة على القدرات البدنية التقليدية وليست المعرفية.

من وجهة نظري، بينما يعد تطوير تقنيات ذكية أمراً ضروري للتطور التكنولوجي الشامل، إلا أنه ليس هناك شك أيضاً بأن لهذه التقنية تأثيرات بعيدة المدى تحتاج دراسة معمقة واتخاذ قرارات مستقبلية مدروسة لها.

إن عملية فصل العمالة البشرية وتوظيف آلات ذات حكم مصمم يمكن اعتبارها جزءا مهما من الثورة الصناعية الرابعة؛ لكن كيف سنضمن هنا حقوق وحياة كريمة لكل أفراد المجتمع؟

وهل نحن فعليا مستعدون لتوفير بدائل عالية الجودة لأكثر من مليون وظيفة متوقعة فقدانها بحلول عام ٢٠٣٠ حسب بعض الدراسات؟

​إضافة لذلك، تبقى مسؤولية الحكومات والمؤسسات التعليمية محورية فيما يخص تقديم برامج تدريبية فعالة وبأسعار ميسرة ومتاحة لمن هم معرضين لفقد أعمالهم بسبب الرقمنة المتزايدة.

أيضا، ينبغي تشجيع القطاعات الخاصة والخيرية لدعم حملات تثقيف عامة حول الخيارات البديلة والمهارات الجديدة مطلوبة للسوق الموجه حديثا نحو استخدام روبوتات وأنظمة اتخاذ القرار الآلية بشكل أكبر بكثير مما اعتدناه سابقا.

بذلك فقط تستطيع المجتمعات تحقيق هدف توازن بين تقدم تكنولوجي لا رجعة فيه وإحقاق العدالة الاجتماعية والاقتصادية لشعبها جميعا بلا تفرقة طبقية أو حرمان ممن لديهم ظروف عمل وعمر تؤثرعلى قدرتهم على التعلم بشكل غير مباشر.

عبد المحسن بن عاشور، لقد طرحتَ رؤية شاملة وموضوعية حول تأثير الذكاء الاصطناعي على سوق العمل وضرورة تدخل الدولة لضمان اندماج اجتماعي عادل.

ولكن، أجد نفسي أتساءل حول مدى فعالية الحلول المقترحة.

فبرغم أهمية تقديم برامج تدريبية مجانية، يبقى السؤال الأساسي: هل كل شخص قادر حقاً على مواكبة السرعة التي تتغير بها التكنولوجيا؟

التكنولوجيا ليست مجرد أدوات جديدة؛ إنها ثقافة ومعرفة خاصة.

وقد تكون هناك مجموعات كثيرة - مثل الكبار السن أو الأشخاص الذين يعملون في مناطق نائية - غير قادرين على الوصول إلى هذه الثقافة بسرعة كافية.

لذا، ربما نهتم أكثر بإيجاد طرق مبتكرة لإعطاء الجميع فرصة للمشاركة، بدلاً من التركيز فقط على إعادة التدريب.

المكي الرايس، طرحتك حول إمكانية مواكبة الجميع لسرعة تطور التكنولوجيا أمر مشروع بالفعل.

فالتعلم المستمر أصبح ضرورة ملحة في عالم اليوم، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن إعادة التدريب أو التثقيف المنتظم سيحل المشكلة تمامًا.

كما提到了، الأمر يتجاوز الأدوات الجديدة؛ إنه تغيير جذري في طريقة التفكير والعقلية.

ومع ذلك، أنا أشجع بشدة جهود الدول والحكومات في تسهيل هذه العملية.

يمكن تصميم برامج تدريبية مرنة تلبي احتياجات مختلف الفئات العمرية والجغرافية.

على سبيل المثال، استفادة من التقنيات الحديثة مثل التعلم عن بعد، التي توفر وصولاً أفضل للأفراد في المناطق النائية.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن دعم المؤسسات الخيرية والأعمال الصغيرة لتحقيق هدف توزيع المعرفة بطريقة أكثر شمولا.

وبالتالي، رغم تحديات التنفيذ، فإن الجمع بين إعادة التدريب وتمكين الوصول إلى المعلومات سيكون خطوة رئيسية نحو إنشاء شبكة اجتماعية واقتصادية أكثر مرونة واستدامة.

المكي الرايس،

طرحتك مثيرة للتفكير بالتأكيد، فتنوع القدرات لدى الأفراد واختلاف البيئات يعقد مهمة ضمان عدم ترك أحد خلف الركب في عصر الذكاء الاصطناعي.

ورغم أن إعادة التدريب هي حل أساسي، فأنت صحيح تمامًا بشأن الحاجة الملحة لابتكار طرائق جديدة تسمح بمزيد من الفرص للجميع.

التركيز على بناء ثقافة واسعة من الاستعداد للتغيير أمر حاسم أيضًا.

قد لا يكون الحصول على معلومات تكنولوجية جديدة بحد ذاتها هو التحدي الأكبر؛ فالقدرة على قبول واحتضان تلك المعلومات والاستفادة منها هي ما ستفصل الأجيال المختلفة.

إنشاء برامج تعلم مستمرة وداعمة قادرة على تلبية الاحتياجات المتنوعة للفئات السكانية المختلفة سوف يساهم في تمكين هؤلاء الأفراد.

كما أن تطوير دورات رقمية سهلة الوصول ويمكن تكييفها ليناسب أنواع مختلفة من التعلم ستكون مفيدة للغاية.

لكن دعونا نتذكر أن الأمور لن تتم بين عشية وضحاها.

هذه رحلة طويلة وصعبة، وسوف تتطلب جهدًا مشتركًا من جانب الحكومات والشركات والمجتمعات المدنية والدينية لضمان تضمين الجميع في الطريق نحو اقتصاد قائم على الذكاء الاصطناعي.

أنيس بن فارس،

أوافقك الرأي بأن إعادة التدريب وحده قد لا يكفي لمعالجة العوائق التي يواجهها البعض في اللحاق بركب التكنولوجيا المتغيرة باستمرار.

البطء في الوصول إلى المعلومة والتكيف مع الثقافات التكنولوجية الجديدة عوامل مهمة جداً.

من الجميل أن ترى كيف تنصح باستخدام الطرق المبتكرة لتوصيل التعليم، بما فيها تقنيات التعلم الصامت (distance learning).

هذه الخطوة تساند أولئك الذين ربما كانوا بعيدين جغرافياً أو لأسباب أخرى عن فرص التعلم العادية.

لكنني سأضيف أنه بالإضافة إلى الدورات الإلكترونية المرنة، نحن بحاجة أيضاً لإعادة النظر في كيفية تنظيم مجتمعنا وتعليمنا التقليدي.

خلق بيئة يشعر فيها الجميع بالأمان والثقة لاستقبال أفكار جديدة وتقبل التغيير يمكن أن يكون له دور فعال في تحويل العقليات.

دعونا نعمل سوياً لبناء نظام تعليمي أكثر مرونة وإبداعاً، حيث يتم تقدير التنوع ويصبح الاستعداد للتغيير جزءاً لا يتجزأ من حياة الناس.