النمل، تلك الكائنات الصغيرة الحجم والتي تزدهر بكثرة في بيئتنا الطبيعية، ليست مجرد حشرات تعيش بصمت كما قد نتوقع أحياناً. في الواقع، تمتلك هذه الحشرات قدرة مثيرة للدهشة لإصدار أصوات خاصة بها، والمعروفة باسم "الصرير". هذا الأمر ليس شائعاً فقط ضمن نوع واحد من النمل؛ بل هو ظاهرة موجودة عند عدة أنواع مختلفة منها.
من المهم أن نلاحظ أولاً أن النمل ليس لديه القدرة على السمع بنفس الطريقة التي يقوم بها البشر أو الحيوانات الأخرى. ومع ذلك، فإن نقص الأذنين لا يعني فقدان التواصل تماماً. بدلاً من الاعتماد على السمع التقليدي، اعتمد النمل على ما يعرف بـ "الاكتشاف الصادي". وهذا يشبه كثيراً الطريقة التي تستخدم فيها الخفافيش الموجات الصوتية لتحديد موقع فريستها - باستخدام صدى الأصوات المنعكسة للأشياء القريبة منهم.
الأصوات التي تصدرها النمل تنقسم إلى ثلاثة أنواع رئيسية بناءً على شدتها وطبيعتها: الأصوات ذات التردد المنخفض، المتوسط والعالي. هذه الأصوات غالبًا ما تكون متقطعة مثل الزقزقة القصيرة، مما يعطي انطباعاً بأن النملة تتواصل مع أفراد آخرين من نفس النوع.
في بعض الظروف الخاصة، وأكثر شيوعاً عندما يجتمع سرب كبير من النمل سوياً، يمكن لأصواتهم الجماعية أن تُشعر بالسعادة والاهتمام لدى المراقب البشري. إنها تشبه الضجيج العابر الذي يحمل طابع النداء أو الاستدعاء، لكنه عموماً مرتفع التردد بدرجة تكفي لجعله قابلاً للسماع بالنسبة لنا.
إن اكتشاف أن النمل قادر على إصدار أصوات وسماعه تحت الظروف المناسبة يعد دليلا مذهلاً على مدى التعقد والتطور في عالم الحشرات. هذا الاكتشاف لم يكن نتيجة الصدفة ولكن نتيجة سنوات عديدة من البحث العلمي الدقيق والمكثف.