تعتبر البعوضة واحدة من أكثر الحشرات انتشاراً على وجه الأرض، والمعروف عنها قدرتها الاستثنائية على التحليق وهروب البشر الذين يسعون لقتلها. أحد أسرار هذه القدرات يكمن في بنيتها المرئية الرائعة. تتمتع البعوضة بعينين مركبتين هائلتين، تحتوي كل منهما على آلاف العدسات الصغيرة. هذا التصميم يعطي البعوضة منظورًا واسع الزاوية ويوفر لها رؤية تدرك عدة اتجاهات مرة واحدة - وهو أمر حيوي للعثور على فريستها وإخفاء نفسها من المنافسين والبشر.

تتكون هذه العيون المركبة من شرائح دقيقة تسمى "ommatidia"، والتي تعمل كتلسكوبات صغيرة مستقلة، وكل منها قادر على جمع صور مفردة. تجمع هذه الشرائح مجتمعة لإعطاء البعوضة رؤية بانورامية ثلاثية الأبعاد تقريبًا. بالإضافة إلى ذلك، فإن موقع العيون الجانبية لأعلى رأسي البعوض يسمح لها برصد البيئة المحيطة بدون تحريك رأسها، مما يجعلها فعالة للغاية في تتبع وتحليل الحركات القريبة مثل تلك التي يقوم بها الإنسان أثناء محاولة الإمساك بها.

بالإضافة للعينين الرئيسيتين الكبيرتين، هناك أيضاً ثلاثة أجزاء أخرى من الأعضاء الحساسة للضوء فوق الرأس مباشرةً تُسمى "ocelli". تلعب ocelli دورًا رئيسيًا في تمييز التغيرات الرئيسية في مستوى الضوء والإشارة بذلك للدماغ، مما يساعد البعوض في التنقل والتوجيه خاصة تحت ظروف الإضاءة غير المنتظمة. ومع ذلك، رغم وجود نظام بصري معقد، تبقى رؤية البعوض محدودية من ناحية الوضوح والدقة، لذلك تعتمد أيضا بشدة على أحاسيس شمها وحرارتها لتحقيق المزيد من التحديد والكشف عن مصدر الطعام.

في النهاية، قد يبدو الأمر مثيراً للاستغراب كيف يمكن لحشرة صغيرة جداً مثل البعوض امتلاك كهذه الشبكة المتطورة للرؤيا! ولكن الطبيعة مليئة بالمفاجآت الغير منتظرة للأعين البشرية.