تحفل المقامة الحلوانية للأديب الشهير أحمد بن يحيى همذاني بعديد من تقنيات الإضحاك الفنية والبلاغية، مما جعل روايته تحفة أدبية خالدة حتى يومنا هذا. تتمثل أهم خصائص هذه التقنيات فيما يلي:
اللفظية والسجعية:
تتجلى القدرة اللغوية الرائعة لكاتب المقامة في استخدامه للسجع والبلاغة في عباراته. مثلاً، عندما ينفي وجود رأسٍ لشخصٍ ما -على الرغم من رؤيتها!- يقول "وكأنه ليس كذلك!"؛ بينما يستخدم الحجاج نوعاً من الشتم بالسجع أيضًا لكسب نقاش حول ملكية الرأس بينهما. كما يلعب الشعر دورٌ هامٌ ضمن هذا الأسلوب، إذ يُقسم الراوي بأنه لن يحلق شعره مرة أخرى بسبب تجربته المؤلمة لدى الحجامين!
عدم المنطق والحجج الواهية:
تصبح الأمور أكثر سخافة وفنتازيا عبر تقديم حجج ساذجة ومستبعدة المنطق بشأن الملكية. فعندما يعترض أحدهما على قرار الحلاق بشدّ شعر الشخص المقنع، يقدم تعليقًا مضحكًا مفاده "إننى أنا المالك لأننى وضعت علامة طينية صغيرة على رأسه!". هنا نسخر من هراء مثل تلك الحجج الهزيلة.
السؤال الغريب والعبارات اللافتة للنظر:
يتم استخدام الاستفهام بشكل مرح وساخر لإحداث الضحك أيضًا. فمثلًا، يسأل أحد أصحاب الحمّام بغرابة "هل هذا هو رأسك أم أنه لجماعة؟" وكذلك "لبعض الناس سرقه يا محمد؟! ". تخيل مدى المفارقة السوداوية لهذه الملاحظات!
الوصف والتشخيص الساخر:
يستغل كاتب المقامات موهبته التصويرية للتعبير عن المواقف بطرق عبقرية ذات تأثير كبير. حين وصف حماما صغيرًا رغم توصيف العميل بأن يتم اختيار مكان واسع للحلاقة، وكشف نواياه الخفية نحو طلب المزيد من الخدمات بلا داعي منها! بالإضافة لاستخدام لمس السخرية حين تصوير تصرفات رجال الأعمال الذين يعملون بصناعة الشعور بالألم أثناء محاولة شطف الشعر المحلوق حديثاً قبل تنظيمه وتسريحه نهائياً. إنها طريقة ممتعة للإشارة لصعوبة عملية قص الشعر وسط جو عام مليء بالحماس والتجارب المثيرة خلال جلساتها المتعددة داخل أجواء الحياة اليومية للدولة الإسلامية وقتها.
الشخصية الزائفة وسلوكيات الوقاحة:
من سمات القصة الرئيسية تقديم نماذج مستحدثة لسلوك الأشخاص ذوو الطباع العنيفة والجشعة والمغرورة والمبالغة فيها. فقد صنع المؤلف شخصية نموذجية لحجام متشدد يجبر عملائه بإجراء عمليات حلاقة مؤلمة للغاية نتيجة لما يسمى "إظهار المهارة" المغالى فيها بتوجيه ضربات خاطفة وخاطئة أحياناً حسب تقديراتهم الخاصة مما يشعر العملاء بالإرهاق النفسي والجسدي أيضاً! وهذه خاصية بارزة تضفي روح الدعابة والفكاهة للعمل الأدبي ككل.
بالإضافة لكل ذلك فإن بناء النص نفسه مبني وفق قاعدة فنية تُعرف بمصطلح 'المقامة' وهو شكل سردي عربي معروف منذ زمن طويل يركز أساسًا على نقل القصص الواقعية بطابع كوميدي ساحر وعادة ما تدور أحداث تلك الأعمال الدرامية المعتمدة عليها حول مجموعة متنوعة من الأفراد المختلفين اجتماعياً وثقافيًّا ولكل منهم طبائع ونوازع مختلفة تلعب دوراً رئيسيًا في رسم خطوط الحبكة الرئيسة للقصة إن كانت مرتبطة بالقضايا الاجتماعية والنفس البشرية المتنوعة أو التجارب الذاتية المعاشة مباشرة بواسطة أفراد المجتمع وظروفهم المختلفة سواء أكانت مدروسة سابقآ ام حدثت حالَ ظهور العمل المكتوب أصلاً وذلك لتحقيق هدف إيصال رسالة أخلاقيات عامة تهدف للاستنهاض والمعارضة لبعض الظواهر السائدة آن ذاك بكل صدق وجرأة بالتزام الوقت ذاته باستخدام اللغة العربية الفصحى الموجزة والقوية المؤثرة مما يؤثر تبريد مشاعر القاريء فتترك انطباع دائم لديه وتعكس ثقافته وانتماءاته الروحية والثقافية الجمالية المستوحاة منها .