في ظل الأوضاع السياسية المتقلبة للعصر العباسي الثاني، برزت مجموعة من شعراء السياسة الذين استخدموا أدوارهم ككتاب وشعراء لتصور الأفكار والمجتمعات المضطربة التي كانوا يعيشون فيها. هذه الفترة الزمنية، والتي امتدت تقريبًا بين القرنين الثامن والتاسع ميلادي، شهدت تناوب الحكم بين الخلفاء والأمراء المستقلين، وهو ما انعكس بشكل كبير في الأعمال الأدبية للشعر آنذاك.
تميز هذا العصر بشخصيات بارزة مثل أبو نواس وعبد الله بن المعتز وأبو تمام وغيرهم الكثير. هؤلاء الشعراء لم يكتفوا بالمديح التقليدي للخلفاء والحكام فقط؛ بل عبروا أيضا عن القضايا الاجتماعية والنفس الإنساني والمعاناة تحت وطأة الاضطرابات السياسية. كانت قصائدهم تعكس الواقع الاجتماعي والسياسي بطريقة فريدة ومباشرة، وكانت تحمل رسائل واضحة حول الاستبداد والاستقلال، الحقوق المدنية والدينية.
على سبيل المثال، يمكن رؤية تأثير الفوضى السياسية في أعمال أبي نواس الشهيرة التي تناولت مواضيع الحرية والكراهية لما أصبح يسمى "الحكم المطلق". بينما كان عبد الله بن المعتز يدين الظلم ويصف حالة الشعب المنهكة تحت حكم الحاكم الجائر. أما أبو تمام فقد استخدم شعر النقائض للتعبير عن غضبه تجاه سياسات الدولة حينها.
إن الدراسة الدقيقة لهذه الأعمال تكشف لنا كيف تأثر المجتمع العربي والإسلامي بتغيرات السلطة السياسية ودور الشاعر كمراقب ناقد وكاتب تاريخي. لقد ترك شعراء الثورة السياسية بصمة عميقة في تاريخ العربية، محتفظاً بهم مكاناً خاصاً ضمن قائمة الأعظم والشعراء الأكثر تأثيراً عبر العصور.