كان للعصر الأموي مكانته الفريدة كمرحلة هامة في تاريخ الأدب العربي والعالم الإسلامي بشكل عام. وفي هذا السياق، كان لنزول القرآن الكريم أثره البالغ في تشكيل وتوجيه مسار الشعر العربي إلى نحو جديد ومتجدد. مع بداية القرن السابع الميلادي، بدأت المملكة العربية تحت سيطرة الدولة الأموية في توسيع نفوذها الثقافي والفكري حول العالم الإسلامي بسرعة مذهلة. وكان ذلك مصحوبا بتغيير كبير في الأسلوب الشعري التقليدي آنذاك.
قبل عصر النبوة، كان الشعر وسيلة تعبير أساسية بين العرب؛ فالشاعر المحترف يستطيع أن يحظى بمكانة اجتماعية مرموقة وألقاب نبيلة مثل "شاعر القبيلة". ولكن بعد ظهور الرسالة الإسلامية ونزول القرآن، تغيّرت قواعد التعامل مع اللغة والشعر تماماً. أصبح القرآن المعيار الأعلى للجودة اللغوية والأداء الشعري، وهو ما أدى إلى تغيير جذري في فنون الإلقاء والتعبير الأدبي.
كانت إحدى أهم التأثيرات التي تركها الوحي القرآني هي التركيز المتزايد على الدقة والموضوعية في استخدام اللغة العربية. فعلى عكس القصائد الجاهلية القديمة التي غالباً ما كانت متباهية ومبالغ فيها بطريقة خيالية، جاءت قصائد زمان الخلافة الأموية أكثر دقة وصفًّا للواقع ومعبرة عن الحياة اليومية للمجتمع المسلم الناشئ. كما تأثرت المواضيع الشائعة بالقرآن أيضاً؛ فأصبحت مواضيع الدين والحياة الأخلاقية والقيم الإنسانية جزءا أساسيا مما يشكل جوهر الأدب الشعري الحديث حينذاك.
بالإضافة لذلك، سهّل تدوين القرآن نفسه انتشار الفن الشعري عبر وسائل مختلفة غير شفهية تقليديا -مثل الكتب والمخطوطات-. وقد ساهم هذا الأمر أيضا بنشر ووفور أعمال شعراء أمويين مشهورين مثل جرير والنابغة الذبياني وأعشى همدان وغيرهم الكثير ممن تطوّر شعرهم تحت تأثير كتاب الله العزيز. إن فهم هذه الرابط الوثيق بين هبوط الصفحات الأولى من المصحف وجذور النهضة الشعرية للأمويين يوضح كيف شكل نزول القرآن مرحلة حاسمة اتسمت بالتقدم والابتكار داخل المشهد الفني الحيوي لأرض الرافدين آنذاك. إنها رحلة تستحق الدراسة والاستمتاع بها حتى يومنا الحالي!