رواية "زقاق المدق"، التي تعد واحدة من الأعمال الأدبية البارزة للكاتب المصري نجيب محفوظ، تقدم لنا صورة معقدة ومتعددة الأبعاد للعائلة المصرية التقليدية خلال فترة الثلاثينيات. الرواية ليست مجرد قصة حب بين حسن وعزيزة، ولكنها أيضا استكشاف عميق للشخصيات الرئيسية التي تشكل هذه العائلة: أسرة الريس. يبرز المؤلف بشكل خاص شخصية الريس نفسه، والد حسن وزوجته ماريان وأبنائهما الآخرين.
الريس هو رجل أعمال ثري ومحترم في المجتمع المحلي، ولكنه أيضًا أب صارم ومعتاد السلطة. يعكس دوره كرئيس لعائلته القيم الاجتماعية والتوقعات الثقافية للطبقة الوسطى المصرية آنذاك. إنه متمسك بالتقاليد والقواعد الصارمة للأدب والأخلاق الإسلامية، مما يخلق جوًا من الضغط المستمر لأبنائه خاصةً عندما يتعلق الأمر بالزواج والحياة الشخصية.
من ناحية أخرى، نجد زوجته الفرنسية الأصل ماريان، والتي تمثل عنصر التغيير والثورة داخل الأسرة. دخولها إلى عائلة مصرية تقليدية كان يعني تحديًا كبيرًا للقواعد والموروثات الثقافية. لم تكن قادرة تماماً على فهم بعض الأعراف وتتعامل غالبًا بموقف من الحيرة وعدم الفهم تجاه ثقافة أهل بيت زوجها الجديد. رغم ذلك، فإن تعاطفها وحنانها نحو أبنائها جعل منها أم محبوبة للغاية بالنسبة لهن.
حسن، ابن الريس الأكبر، يجسد روح الثورة الشبابية والبحث عن الحرية الشخصية. يحاول التحرر من سلطة أبيه لكنه يتصارع أيضًا مع مخاوفه الخاصة بشأن مستقبله واختياراته للحياة. بينما ابنة الريس الأخرى حورية هي المرأة المتماشية أكثر مع توقعات مجتمعها؛ فهي ملتزمة بالحفاظ على هيبة الاسم والعائلة بغض النظر عن سعادتها الشخصية.
هذه الشخصيات المركبة توفر للقارئ نظرة ذات شجون حول الديناميكيات المعقدة لكيفية تأثير الهوية الجماعية (العائلة) على الأفراد وكيف يمكن لهذه التأثيرات المشتركة أن تؤدي إلى النجاح أو الفشل لكل واحد منهم بناءً على الاختيارات الأخلاقية والنفسية المختلفة لديهم.