إشادة الخلفاء العباسيين بحركة الترجمة: دعمهم التحولي للعلم والمعرفة خلال القرن الثاني الهجري

تبصرے · 1 مناظر

بدأت حقبة جديدة من ازدهار العلم والثقافة مع ظهور الدولة العباسية، التي وضعت أهمية كبيرة على نشر المعرفة والترجمة الأدبية والعلمية من مختلف الثقافات حو

بدأت حقبة جديدة من ازدهار العلم والثقافة مع ظهور الدولة العباسية، التي وضعت أهمية كبيرة على نشر المعرفة والترجمة الأدبية والعلمية من مختلف الثقافات حول العالم الإسلامي. هذا الدعم المتزايد للحركات الترجمية يعود أساسا إلى عدة عوامل استراتيجية وسلوكية لدى خليفة الدولة الأولى، أبو جعفر المنصور، والذي مهد الطريق أمام عصر ذهبي حقيقي للعلوم الإنسانية.

كان أحد الأسباب الرئيسية وراء تشجيع الخلفاء العباسيون لحركة الترجمة هو الرغبة في تعزيز القوة السياسية للدولة الجديدة. لقد اعتقدوا بأن فهم الأفكار والتكنولوجيات الغربية سيمكنهم من المنافسة بشكل أكثر فاعلية ضد الامبراطوريات الأخرى. بالإضافة لذلك، كانت هناك حاجة ملحة لتعريب النصوص اليونانية والفارسية والسريانية لمختلف المواضيع مثل الطب، الرياضيات، الفلسفة وغيرها لتلبية متطلبات المجتمع المتحضر والديني الناشئ داخل هذه الإمبراطورية الشاسعة.

في عهد هارون الرشيد، توسع نطاق الجهود المبذولة لدعم عمليات الترجمة بدرجة كبيرة. أسس بيت الحكمة تحت رعاية زوجته زبيدة بنت جعفر الصادق كمركز رئيسي للأبحاث والترجمة. هنا، جمع العلماء والمترجمون مواد علمية متنوعة ونقلوها إلى اللغة العربية. وقد أدت هذه البادرة الرائدة إلى نقل أعمال ثمانية وعشرين مؤلفاً يونانياً بارزاً، مما ساهم في خلق قاعدة معرفية غنية ومتنوعة أثرت بدورها على مجالات عديدة بما فيها السياسة، الاقتصاد، الفنون الجميلة وغيرها الكثير.

استمر العمل بنفس النهج الطموح طوال فترة حكم الخليفة المعتصم بالله والخليفة الواثق بالله الذين أكدا على ضرورة الاستمرار بنشر وترويج للمعارف عبر حدود العراق وبالتالي تعزيز مكانتهم العالمية وكذلك زيادة التأثير المحلي للإسلام كدين عالمي شامل. كما قدم هؤلاء الخلفاء دعماً مالياً غير مسبوق لكل مشروع ترجمة يهدف لإثراء المكتبات العامة وتيسير الحصول على المعلومات بين عامة الناس العاملين والحرفيين والبنائين وغيرهم ممن كانوا جزء هام جدا من النسيج الاجتماعي لهذه الفترة التاريخية المثيرة للاهتمام والتي تعتبر ذروة التنوير العربي والإسلامي الحديث.

انتهى الأمر بتأسيس مكتبات عملاقة مليئة بالنصوص المفهرسة والمنظمة بطريقة ملائمة للمستفيد النهائي منها وهي الشعب نفسه وليس فقط نخبه التقليدية الخاصة بالحكام وأصحاب السلطة والقوة آنذاك. وهذا دليل واضح آخر على مدى اهتمام واستثمار الحكومة المركزية بسرد قصتها الخاصة بإتقان سياسة التعليم العام منذ تلك السنوات الأولى لها حتى نهاية عصره الذهبي فيما بعد .إن تأويل القصص التاريخية يكشف لنا كيف شكل ذلك الوقت نقطة تحول نحو مستقبل جديد مفعم بالأمل لعرب المسلمين باعتباره بداية نهضة حضارية طويلة المدى تمتد جذورها جيلاً بعد جيل ولا تزال تجدد نفسها بإنجازات أبنائه اليوم أيضاً!

تبصرے