شهد المسرح العربي في منطقة بلاد الشام نهضة ملحوظة خلال العقود الأخيرة، حيث شهد تطوراً كبيراً وازدهاراً فنياً لم يسبق له مثيل. يعكس هذا الازدهار الروح الحيوية للمجتمعات العربية وتعافيها الثقافي بعد عقود من الصراعات السياسية والأزمات الاجتماعية التي أثرت سلباً على النتاج الفني والإبداعي. يشكل المسرح المعاصر في هذه المنطقة تجربة فريدة تجمع بين التقاليد الغنية والروح العصرية المتجددة، مما يعزز موقعها الرائد في المشهد الثقافي العربي.
في قلب هذا التحول، برز نخبة من الكتاب والممثلين والمخرجين الذين أسهموا بشكل كبير في إعادة تشكيل وجه المسرح العربي عبر أعمال thematize مواضيع اجتماعية وأخلاقية معاصرة تعكس القضايا الملحة للشعب الفلسطيني والعراقي والسوري وغيرهم ممن عاشوا ظروفاً قاسية. يستمد هؤلاء الفنانون إلهامهم من التاريخ المحلي والثقافة الشعبية، مستخدمين تقنيات حديثة لإبراز هموم مجتمعاتهم وتجاربها اليومية. ومن بين أشهر الأعمال ما تناول واقع المرأة الفلسطينية وانتفاضتها ضد الاحتلال الاسرائيلي، مثل مسرحية "الحديقة" للكاتبة ليلى أبو زيد والتي سلطت الضوء على دور المقاومة المدنية ضمن نسيج الأحداث السياسي. كما نجد أيضاً أعمال تتناول الحرب والحصار الطويل المفروض على الشعب العراقي منذ التسعينيات وما نتج عنه من آثار نفسية واجتماعية مدمرة، كتلك التي قدمها الممثل والمخرج العراقي كاظم نصيف في عمله الشهير "أحلام في القفص".
كما ترك التأثير الأوروبي البصمة الخاصة به على المسرح السوري، خاصةً فيما يتعلق بتضافر الجهود الجماعية واستخدام اللغة ووسائل الاتصال الجديدة؛ فقد استلهم مخرجون شباب طرائق عمل فرقة "البروفنسال" الفرنسية، والمعروف عنها اعتمادها على التدريب المكثف والجماعة القائمة على الصداقة الحميمة أثناء التصوير بكاميرات صغيرة ودائرة إضاءة بسيطة تموضع أفراد الفريق حول المجموعة لتكوين مشهد ذي تأثير درامي عالي الدقة بدون استخدام معدات ثقيلة وكبيرة. وقد ظهرت هذه التجربة الواعدة بأعمال متعددة منها مشروع "مسرح المدينة" لدعم الفن الشعبي وإعادة الاعتبار للحرف التقليدية وللمجموعات المجتمعية المهمشة داخل المجتمع السوري وخارجه أيضًا. ويُعتبر مفهوم حضانة الأطفال المستوحاة مباشرةٌ من تجارب غوستاف روجيه إحدى أكثر التجارب ارتباطًا بالنوع الجديد الذي يُسمى "المسرح الاجتماعي"، وهو نوع جديد ناشئ يقوم بإشراك الجمهور وتفاعله مباشر مع الحدث ليشعر بنفس مشاعر الشخصيات المطروحة أمام عينيه سواء كان ذلك بالحركة الدائرية للأطفال أم بأفعال عناصر أخرى غير مكتملة الشخصية وقد تكون حيوانات ومخلوقات خرافية حتى! وهي طريقة تخلق شعورا بالألفة وحميمية علاقتها بجذور شعب شعبنة أدبية أصيلة وغرس روح الهوية الجمعية الجمعانية القديمة مرة اخرى لدى الناس ويتعايشون ويتناقشون فيها ويعبر كل منهم بما يرونه صحيح وصائب حسب نظره الخاص وهذا بالتحديد هو جوهر هذا النوع الأدائي الأخاذ الجديد والذي يمكن رؤيته بكل سهولة واضح الرؤية حين مشاهدة عرض "رقصة فوق جدران مدينة حمص" لعزيز خليل الجزائري الأصل ولكنه تربى ونشا وسط بيئة شامية بامتياز وفاز بها عدة مرات محلية وعربية وعالميًا كذلك . إن موجة الاستقلال الفكري والفني جعلته أحد أهم اتجاهاته الرئيسية وبالتأكيد سوف تستمر مسيرة امتداد زخم تفوقه لفترة طويلة مقبلة وشاسعة المدى...إن شاء الله ! وفي الوقت الحالي يسعى العديد منه إلى خلق شكل خاص بهم خاص جدا بهم فقط بغرض تحقيق رؤية جديدة ومتكاملة تعتمد كثيرا علي فكرة اختلال توازن العلاقات الإنسانية والأوضاع الاقتصادية والدينية والمادية بالإضافة للعوامل النفسية المؤثرة بشدة عليها وعلى اتخاذ قراراتها المصيرية أيضا. لذلك فإن الأمر يحتوي حالياً الكثير والكثير مما يستحق الانتباه إليه ورصد تقدم سيرورة تحركاته واقتباس خلاصه الثمين منها بصفته قطيع سرى حديث وثيق الصلة بحياة البشر اليوم ومعاناتهم اليوم مضمون عماده الرئيسي . أخيراً وليس آخراً ، تُظهر لنا البيئة التشغيلية للفنون الادارية بأنّ ثمة جانب آخر مهم جدّا وهو القدرة المالية اللازمة لاستدامة تلك المؤلفات المسرحيبة الندرة داخل الشرق الأوسط عامةً ولدينا دوما عوامل تحد من نموه الطبيعي بسبب عدم توفر مقومات مادية كافية لدعم العمل الغيري الربحي وبالتالي فهو أقل راحة نسبياً بالمقارنة بدول ذات نظام رأسمالية عالية ولكن تبقى هناك جهود فردية وجمعيات خيرية نسائية وسلطات رسمية تساهم بطريقة ما لمساندتهم لأداء وظائفهم الأكاديميين المتزايدة اهميتها وضمان رعاية رعايتكم لهم....