في رحاب الشعر العربي العريق، يقف أبو الطيب المتنبي شامخاً بإبداعاته التي تعكس عمق الفكر الإنساني وتعدد وجهات النظر. وفي سطور قصيدته "عيد بأية حال عدت يا عيد"، ينقلنا إلى عالم مليء بالمشاعر والتأملات حول طبيعة الأعياد وكيف ننظر إليها بناءً على ظروف الحياة المختلفة. هذه القصيدة ليست مجرد احتفال بمهرجان التقويم؛ بل هي انعكاس للروح البشرية المعقدة والمزدوجة المشاعر.
يبدأ الشاعر بتساؤل مدهش ومثير للتفكير وهو يقول: "عيد بأية حال عدت يا عيد؟". هذا السؤال ليس طلبا لمعلومات حول موعد العيد الدقيق فقط، ولكنه دعوة لاستبطان الذات ومعرفة كيف نستقبل الفرح والأحداث الاحتفالية تحت مختلف الظروف. فالعيد قد يأتي وحياتنا مليئة بالألم والخسارة كقوله:" إذا كنت سرورا فالناس جميع/ إلا أنا...". هنا يشير المتنبي إلى الجانب الآخر للعيد بالنسبة لمن فقدوا أحبة لهم أو يعانون من المصائب. فهو يعترف بأن الحزن يمكن أن يكون جزءاً منه أيضاً.
كما يستعرض المتنبي وجه آخر للأعياد وهي أنها فرصة لإعادة التواصل مع الأحباب الذين ربما ابتعدوا بسبب الظروف الصعبة كالزمن الطويل أو المسافة البعيدة كما جاء في البيتين التاليين:" أم أراك زائراً ساخط عليه/ بنو حمدان بعد طول غياب"، إذ يقترح أنه حتى الزيارات المفاجأة لأحبائنا خلال فترات الحرب والعزلة القسرية قد تكون سبباً للاحتفال.
وفي نهاية المطاف، يحول المتنبي تركيزه نحو جوهر الحياة نفسه -الأمان والاستقرار-. ويبدو ذلك واضحاً عندما يؤكد أن الإنسان يحتفل رغم كل العقبات لأن لديه شعورا كامنا بأنه مستقر وآمن نسبياً مقارنة بغيره، قائلا:" ولو لم يكن في الموسم إلا السلامة/ كان له شأنا عظيما عند المحروم." هنا يذكرنا بأن الأمن والسلام هما أساس الرضا والسعادة مهما كانت الضغوط الخارجية.
إن قراءة قصيدة المتنبي تضيف طبقات جديدة لفهم معناها الروحي الواسع. فهي تشجع القارئ على التفكير في حياة الشخص وفروضه وأعماله أثناء فترة راحة مثل العيد. إنها تمثل تعليقاً فلسفياً نقديًا بشأن الطبيعة الإنسانية للتوقعات واحتماليات الشعور بالعزلة والحنين وسط الأفراح الجماعية. وبالتالي فإن قصيدة المتنبي تصبح أكثر من مجرد وصف لعيد يوم معين -بل هي محاولة لتفسير حالة بشرية عامة تجاه الوقت والحياة والمعنى.