في العصر العباسي، شهدت الحياة الثقافية والفكرية ازدهارا كبيرا لم يسبق له مثيل في تاريخ الأدب العربي. كان هذا العصر يشهد تحولا هائلا نحو التركيز على الشعر الذي يحمل رسائل حكمة ومعرفة عميقة، مما جعل منه أحد أهم الأنواع الفنية التي برزت خلال تلك الفترة الزمنية الغنية.
شعر الحكمة، المعروف أيضا بشعر النصح والتوجيه، ظهر كأحد الفنون الشعرية الرئيسية آنذاك. يتميز هذا النوع بأنه ينقل الأفكار والمبادئ الأخلاقية والنصائح العملية للحياة اليومية بطريقة أدبية راقية ومؤثرة. يمكن تتبع جذور هذه الظاهرة إلى بيئة ثقافية تولي اهتماما خاصا بالمعرفة والحكمة، وكانت تعتبرها أساساً لتقدم المجتمع وتطور الشخصية الإنسانية.
كان الشاعر العباسي يستخدم لغة غنية بالألفاظ والمعاني الدقيقة لإيصال أفكاره. كما أنه استغل القدرة المتفردة للشعر على التأثير بشكل مباشر على القلوب والعقول لتحقيق هدفين رئيسيين؛ الأول هو نشر المعرفة والثقافة بين عامة الناس، والثاني العمل كمصدر للاستعانة والاسترشاد عند مواجهة تحديات الحياة المختلفة.
ومن أشهر شعراء الحكمة في ذلك الوقت أبو نواس وبوصير وغيرهما الكثير ممن تركوا بصمتهم الواضحة في هذا المجال. لقد قام هؤلاء الشعراء بتقديم رؤى فلسفية وأخلاقية قيمة عبر أشعارهم القصيرة والقوية والتي حملت عناوين مثل "الحكمة"، "النصح"، و"التعليم". وقد ساعد ذلك في تشكيل وجدان الأمة العربية وتعزيز قيمتها الروحية والمعرفية.
إن فحص شعر الحكمة في العصر العباسي يجسد ليس فقط مهارة كتابة الشعر ولكن أيضاً رغبة مجتمعية واضحة في فهم العالم وتحسين الذات البشرية بناءً على مبادئ أخلاقية وعلمية متينة. وهذه الرؤية الثاقبة للوجود والأخلاق هي جزء أساسي مما يجعل من تراث الأدب العربي واحداً من أكثر الجماليات ديمومة وروعة في التاريخ العالمي.