في العصر الأندلسي، شهدت الثقافة العربية ازدهاراً أدبياً ملحوظاً، خاصة فيما يتعلق بالنثر كأحد أشكال التعبير الفني والثقافي. هذا العصر الذي امتد من القرن الثامن إلى الخامس عشر ميلادي، تميز بتعدد التجارب الكتابية وتنوّع المدارس الأدبية، مما أسفر عن مجموعة غنية من المؤلفات التي ما زالت مصدر إلهام حتى اليوم.
كان للنثر الأندلسي خصوصيته التي تأثرت بشدة بالبيئة الاجتماعية والاقتصادية والدينية للمجتمع آنذاك. فقد انفتح العالم الإسلامي خلال هذه الفترة على العديد من الحضارات الأخرى، الأمر الذي ساهم في ظهور حركة ترجمة واسعة للكتب اليونانية والفارسية وغيرها. وقد استفاد الأدباء العرب بشكل كبير من هذا الغنى المعرفي المتاح أمامهم لإنشاء أعمال نثرية فريدة ومتنوعة المواضيع.
من بين أشهر الأعمال النثرية للعصر الأندلسي "كتاب الإحكام في علم الرواية" لأبي الوليد الباجي، والذي يعد دراسة متعمقة حول علوم الحديث والتاريخ الإسلامي. كما كانت مساهمات ابن حزم الأندلسي كبيرة عبر مؤلفاته مثل "الإحكام في أصول الأحكام"، وهو عمل يدرس القواعد القانونية والأخلاق الإسلامية.
أما بالنسبة لمدرسة المعتزلة، فقد كتب أبو الوليد الباجي أيضاً "الوجيز في علم الكلام"، وهو موسوعة فلسفية تقدم نظرة عميقة للفكر المعتزلي. ومن الشخصيات البارزة كذلك الشريف المرتضى صاحب "مصباح الظلام"، وهي استعادة تاريخية للحقب الأولى للإسلام مع التركيز على دور الدولة العباسية.
وفي مجال التاريخ السياسي والسيرة الذاتية، برز اسم ابن خلدون من خلال كتابه الشهير "العبر وديوان المبتدأ والخبر". يُعتبر هذا العمل مرجعا أساسيا للتاريخ العالمي ويضم أيضا أفكارا تتناول طبيعة المجتمع وعلم الاجتماع الاجتماعي.
بالإضافة لما سبق ذكره، قدم بعض الشعراء أيضًا أعمال نثرية مهمة؛ فعلى سبيل المثال، ترك أبي الطيب المتنبي ديوانه الشعر الشهير بالإضافة إلى رسائل ونصوص أخرى تعكس رؤيته الفلسفية والحكمية. وعلى خلاف ذلك، فإن عمر بن أبي ربيعة اشتهر بروايته القصص الشعبية الشعبية والمعروفة باسم "أخبار الحمقى والمغفلين".
هذه هي فقط لمحة موجزة عما حققه الأدب العربي النثري في العصر الأندلسي - عصر زاخر بالأعمال الأدبية الرفيعة والفكر الحر والإبداع الأدبي الواسع المجال.
