تعدّ القصائد التي تعبر عن المشاعر الإنسانية الركيزة الأساسية للأدب العربي التقليدي، وهي تستعرض جوانب مختلفة منها كالفرحة والحزن والتفاؤل واليأس وغيرها. واحدة من هذه الأعمال الفنية هي "قال السماء كئيبة وتجهما"، والتي كتبها الشاعر المصري المعروف عبد الروؤف الكحلاوي. تعتبر هذه القصيدة مثالاً بارزاً لكيفية تصوير الحالات النفسية والعاطفية للشخصيات بطرق شعرية مؤثرة.
في بداية القصيدة، يقدم لنا الكاتب صورة حزينة ومظلمة للطبيعة الخارجية لتوضيح الحالة الداخلية لشخصيته الرئيسية. حيث يقول: "قال السماء كئيبة وتجهما". هنا يستخدم التشبيه لاستحضار حالة ذهنية معينة - الشعور بالضيق والكآبة الناتجة ربما عن الألم الشخصي أو الصعوبات الخارجية. يمكن اعتبار هذا البداية تشبيهاً درامياً لمقدمة القصة الشعرية القادمة.
ثم يدخل بنا الشاعر إلى عالم الشخصية الأكثر عمقاً من خلال استخدامه للمفردات القوية والأوصاف الحسية. فهو ليس فقط يشير إلى الظلام الخارجي ولكن أيضاً يصور حالته الشخصية بشكل أكثر تحديداً عندما يخاطب نفسه قائلاً: "وتحت ظل الليل الواهن/ أبكي دموعا مثل الأمطار". إن استخدام الجمع ("دموع") يعطي شعوراً بالإلحاح والحزن المتراكم، بينما يربط بين الدموع والمياه ليصل إلى مستوى أعلى من التجريد والاستعارة. وفي نفس الوقت، فإن وصف الدموع بأنها تشبه الأمطار يقترح فترة طويلة الأمد من الضيق النفسي.
وبينما تتعمق القصيدة، يكشف الكحلاوي عن مصدر الأحزان - فقدان شخص عزيز وقدوم الموت المفاجئ. لكن حتى وسط هذا اليأس المؤلم، هناك إشارة خفية للتأمل الروحي والإيمان. فالجملة التالية تقول: "والجثمان في نعشه يفنى// وروحه ترتفع نحو الجنان". توضح هذه الآيات كيف يمكن للحزن أيضا أن يحفز الأفكار حول الحياة بعد الموت ومعنى الوجود. إنها سلسلة مترابطة من التجارب الدنيوية والنفسية والخارجية التي تعد خصائص أساسية لأعمال الكحلاوي الأدبية.
مع انتقالنا نحو نهاية القصيدة، نرى تغييراً طفيفاً لكنه ملحوظ في لهجة النص. بدلاً من الاستمرار في الحديث مباشرة عن الحزن، تبدأ ملاحظات أكثر هدوءاً وأقل ظهوراً للمعنى الطقوسي للعزا: "صلاة الغائب ترفع إليك يا رب // وصلاة الغائبين الذين غابوا". هنا، يتم التركيز على الوحدة الأخروية بين المحزونين وبين الله وبين الآخرين الذين واجهوا المصاعب أيضا. إنه نوع من التعازي الجماعية والشعور بالقوة المنبعثة من الإيمان والدين الإسلاميين.
في المجمل، تمثل "قال السماء كئيبة وتجهما" قدرة عبد الروؤف الكحلاوي الرائعة على نقل الخبرة البشرية والمعاناة باستخدام اللغة الجميلة والقوية. فهي ليست مجرد نظرة للحداد بل أيضاً انعكاس لعملية التأمل والنمو داخل الذات الإنسانية أثناء مواجهة ألم فقدان أحبابنا. وهذا ما يجعل هذه القطعة من الأدب العربي القديم ذات قيمة دائمة لكل قارئ يرغب في فهم العمق العاطفي للإنسانية وكيف أنها تعكس تجارب مشتركة ومتسامية فوق الزمن.