في عمق شعره المتألق، يقف الشاعر المصري الكبير أحمد شوقي كواحد من أشهر الشعراء العرب الذين استلهموا التاريخ وأعادوا رسمه بخيوط الشعر الفنية. واحدة من أجمل القصائد التي تركها لنا هي "لي في من مضى"، والتي تعد تحية لآل البيت العلويين وتحتوي على رمز قوي يُطلق عليه اسم "البرودي". هذا الرمز ليس مجرد ذكر تاريخي، ولكنه أيضا صورة شعرية يستخدمها الشاعر لتوضيح مشاعره والتعبير عن أفكاره.
"البرودي" هنا يشير إلى سيف الجوهر، وهو أحد أهم القطع الأثرية المرتبطة بالتاريخ الإسلامي. اختيار شوقي لهذه الصورة يدل على مدى تقديسه للأصول والتقاليد، وكيف أنها جزء حي ومؤثر من هويته الوطنية والدينية. الشاعر يعبر عن رغبته في الانتماء والاستمرار في تراث سبقه، كما لو كان يريد أن يخاطب روح تلك الشخصيات التاريخية ويطلب منها النصح والإرشاد.
إن استخدام البرودِي كمَثل يجسد قدرة شوقي الرائعة على تبادل الأفكار والمعاني عبر الصور الجمالية، مما يجعل القراءة ممتعة وعميقة في الوقت نفسه. فهو قادر على نقل معنى التصاق الإنسان بتاريخه وبنيانه الثقافي بطرق لا يمكن للنصوص الوصفية القيام بها فقط. هذه القدرة تؤكد ماهية الشعر كنوع أدبي فريد قادر على جمع الواقع والمجاز والحلم تحت سقف واحد.
وباختصار، فإن "مثال البارودي" في قصيدة أحمد شوقي ليست مجرد مقارنة بين زمانين، بل هي دعوة للاستمرارية وعلاقة وثيقة بين الحاضر والماضي - وهي علاقة تعتمد بشكل أساسي على التفاهم والتقدير المشترك للتراث الغني للشعب العربي.