تعد "رواية أسطورة النداهة"، وهي واحدة من الأعمال الأدبية البارزة للكاتب المصري نجيب محفوظ، بمثابة شهادة حقيقية على قدرته الخلاقة في تصوير الشخصيات البشرية المعقدة. تتميز هذه الرواية بشخصياتها الغنية المتنوعة التي تعكس الطبقات الاجتماعية المختلفة وتجارب الحياة في مصر خلال فترة الانتداب البريطاني. سنستعرض هنا بعضاً من أكثر الشخصيات تأثيراً والتي تلعب دورا محورياً في بناء الحبكة وعمق القصة.
في قلب الرواية يقف أحمد عبد الجواد، الشخصية الرئيسية الشاب الطموح والذي ينجذب إلى عالم المخابرات السرية نتيجة لوفاة أخيه الغامضة. تجسد رحلته بين النزعة الوطنية والقوة الأجنبية الصراع الداخلي الذي يعيشه العديد من الشباب المصريين آنذاك. شخصية أخرى بارزة هي جمال وهبة، المحامي الناجح ولكنه الأخلاقي الذي يشكل وجه المقاومة ضد الاستعمار ويعرض شخصيته كنموذج للتضحية والشجاعة.
كما تستحق فرقة الرجال الذين يديرون شركة دسوقي باشا للإنتاج الفني الإشارة؛ فهم ليسوا مجرد خلفية ولكنهم مجموعة متنوعة ذات مشاعر وأهداف خاصة بهم. يعكس كل منهم تحديات الفترة التاريخية بشكل فريد - بدءاً من يوسف صاحب الهمة العالية الراغب في تحقيق طموحه الخاص داخل الشركة حتى نهاية حياته المؤسفة، مروراً بمحيي الدين الرجل ذو القلب الحنون والعلاقات الإنسانية العميقة، وليس انتهاءً برجل الأعمال الكبير نفسه دسوقي باشا بمزيجه الغريب من القيادة الرشيدة والإنسانية تجاه موظفيه رغم قسوته الظاهرة.
بالإضافة إلى ذلك، تقدم لنا الرواية صور عائلات مختلفة تضمن حياة اجتماعية واقعية وتوسع نطاق القصص. فتجد أمينة زوجة زكي المسلمة المؤمنة وغير المستسلمة أمام المصاعب الزوجية، ولُطف الله الزوج المخادع والمعتل نفسيا بعد وفاة ابنتِهما الصغيرة مما أدى لتدهور حالته النفسية والحاجة للمساعدة الطبية والنفسية. بينما تمثل فاطمة رمز المرأة المصرية القوية والسعي نحو حقوقها الخاصة بغض النظر عن العقبات الاجتماعية والثقافية الموجودة آنذاك. وفي المقابل يجسد أبو رياض الشرطي الفاسد صورة الجانب السلبي للحكم والاستبداد السياسي وقتها.
بهذه الطريقة يستطيع نجيب محفوظ عبر رسم تلك الشخصيات الواضحة والصوتية تحريك قلوب القراء وفهم المشهد الاجتماعي والتاريخي بشكل عميق وصورة واضحة. فهو يجعل للقارئ القدرة على التعاطف مع مصائر هؤلاء الأشخاص وهم يصارعون محنة واقعهم ويخوضون غمار التغيرات السياسية والاجتماعية الهائلة التي كانت تمر بها البلاد حينذاك.