في عصر الخلافة العباسية الأولى، شهد العالم العربي والإسلامي نهضة ثقافية واسعة نمت خلالها حركة نقدية نابضة بالحياة ومثمرة. هذا الزمن ليس فقط فترة ذروة الفتوحات الإسلامية ولكن أيضا حقبة فريدة من الاهتمام الشديد بالعلوم والفلسفة والأدب. كان لهذه الفترة خصائص ونقاط قوة خاصة ساعدت بشكل أساسي في تطوير وتوسيع الحركة النقدية.
أول هذه العوامل هو الدعم الحكومي الكبير للتعلم والعلم. اعتبر الخلفاء العباسيون مثل هارون الرشيد والمأمون التعليم جزءا أساسيا من حكمهم ووضعوا سياسات تشجع البحث العلمي والدراسات الأدبية. كما قاموا بتأسيس بيت الحكمة، وهو مركز معروف الآن كمكتبة ومعهد بحث علمي يعرض مجموعة كبيرة من النصوص القديمة ويلعب دوراً رئيسياً في ترجمة الأعمال اليونانية إلى اللغة العربية.
عامل آخر مهم يرتبط بإنجازات النقاد العباسيين المبكرين. هؤلاء النقاد كانوا يحملون مستويات عالية من التربية والتكوين الثقافي مما سمح لهم بفهم المعرفة المتنوعة التي كانت متاحة آنذاك - سواء كانت معرفة محلية أم أجنبية المصدر - وبالتالي القدرة على تقديم تحليل عميق للأعمال الأدبية الفريدة والعظيمة لتلك الحقبة.
بالإضافة إلى ذلك، توفر بيئة المدن الرئيسية كبغداد ودمشق مساحات فكرية متنوعة سمحت بالتبادل الحر للفكار والمعارف بين الشعوب المختلفة داخل الدولة العباسية الواسعة. أدى ذلك إلى تبادل الأفكار والثقافات الغنية والتي أثرت بدورها كثيرا على المشهد الفكري والنقدي للعصر العباسي الأول.
وفي النهاية، فإن روح الانفتاح والبحث المستمر لدى المجتمع العلماني والنخبوي المحترم لعبت دور حاسم في إعطاء دفعة قوية للحركة النقدية في تلك الفترة التاريخية المهمة جدا بالنسبة للإرث الثقافي الإسلامي.