تعدّ رواية "الجني" للكاتب السعودي الراحل الكبير غازي عبد الرحمن القصيبي واحدة من أهم الأعمال الأدبية التي تركتها يداه الحرفيتان إلى مجتمع الأدب العربي. نشرت هذه الرواية عام 1984 ضمن سلسلة أعمال قصص قصيرة وروايات ألفها القصيبي خلال مسيرته الفنية الطويلة والمتميزة. تُعتبر "الجني" تعكس صورة حقيقية للحياة الاجتماعية السعودية في ذلك الوقت، وهي بذلك قدّمت رؤية نقدية عميقة للمجتمع البريء والبسيط آنذاك قبل موجة التحول والتحديث التي بدأت تلقي بظلالها عليه.
تعرض أحداث الرواية قصة محمد بن علي العتيبي، شخصية رئيسية يقع في حب امرأة متزوجة تدعى هند والتي كانت زوجة لأحد أقاربه. تبدأ القصة بتلك المفارقة المثيرة للاهتمام؛ فبينما تتناول الموضوعات التقليدية مثل الحب والخيانة الزوجية والحفاظ على الأعراف المجتمعية، تستعرض أيضًا الجانب المشترك بين طبقات اجتماعية مختلفة وكيف تؤثر الظروف الاقتصادية والاجتماعية على العلاقات الشخصية.
يكشف النص قدرة المؤلف الواسعة على رسم الشخصيات وتحليل دوافع تصرفاتها بطريقة توضح العمق النفسي لكل منهم. علاوةً على ذلك، يستخدم القصيبي لغة بسيطة ولكن مؤثرة للغاية لإيصال رسالته النقدية حول مسائل الحقوق الإنسانية والقيم الأخلاقية داخل إطار سرد واقعي وملموس، مما يعزز قيمة العمل ككل ويجعله أكثر جاذبية للقراء.
إن نجاح "الجني" لم يأتي فقط بسبب بناء الأحداث المؤثر بل أيضا لأنها انعكست حقائق معيشة العديدين ممن عاشوا فترة الستينات والسبعينات في المملكة العربية السعودية تحديداً، وبالتالي أصبح لها صدى عاطفي لدى جمهور واسع ومتنوع. إن استمرار شهرة هذا الكتاب حتى يومنا الحالي يشهد بشهادته الراسخة وأثره الدائم على الثقافة العربية بشكل عام وعلى الأدب السعودي خاصة. إنها تجربة أدبية فريدة تقدم لنا نظرة ثاقبة لتاريخ وثقافة شعب عبر شخصيات خالدة ودراسة حساسة للتغيرات الاجتماعية ذات التأثير العميق.