رواية "وكالة عطية"، وهي عمل أدبي بارز للكاتب المصري الراحل نجيب محفوظ، تستعرض بشكل رائع الحياة اليومية للمجتمع المصري خلال فترة الخمسينيات. تحكي القصة قصة مجموعة متنوعة من الشخصيات التي تتقاطع حياتها عبر مكتب عطية، وهو وكيل التأمينات الشهير. هذا العمل الفني يجسد بدقة البيئة الاجتماعية والثقافية المصرية آنذاك، مما يجعلها ليس فقط قطعة أدبية رائعة ولكن أيضًا وثيقة تاريخية قيمة.
تدور أحداث الرواية حول شخصية عبد العزيز عطية، الرجل ذو الشخصية الجذابة والذي يعمل كوسيط تأمينات. يتمحور دائرته الاجتماعية حول مكتبه حيث يجتمع الناس لأسباب مختلفة - البعض للحصول على خدمات الوكيل بينما الآخرون للاستمتاع بالحوار الحياتي اليومي. كل زائر إلى المكتبة له قصته الخاصة التي تعكس تحديات وأحلام وتناقضات المجتمع المصري في تلك الفترة الزمنية.
معظم شخصيات الرواية هي عبارة عن رؤساء عائلات يعيشون حياة مزدحمة ومرهقة. هذه العائلات تشكل نسيجاً اجتماعياً معقداً يناقش القضايا المتعلقة بالمال، السلطة، الحب والعلاقات الإنسانية العامة. من بين هؤلاء الشخصيات هناك رجل الأعمال الثري السيد حسن، والأستاذ الجامعي الدكتور محمد، وموظفة المحاسبة الأرملة السيدة أمينة وغيرها الكثير ممن يؤثرن ويؤثرن بطرق مختلفة على مجرى الأحداث الرئيسية للقصة.
بالإضافة إلى ذلك، تقدم الرواية نظرة ثاقبة للتغيرات السياسية والاجتماعية التي شهدتها مصر بعد حرب فلسطين عام 1948 واستقلال البلاد عن الحكم البريطاني. تنوعت ردود فعل الشخصيات تجاه هذه التحولات الجذرية؛ فبينما احتفل بعضهم بتحرر الوطن، وجد آخرون بأنفسهم أمام واقع جديد مليء بالتحديات الاقتصادية والتقلبات النفسية.
على الرغم من كونها رواية طويلة ومعقدة، إلا أنها تعتبر واحدة من أعظم أعمال نجيب محفوظ بسبب قدرتها الاستثنائية على تصوير الواقع الاجتماعي والنفسي للفئات المختلفة ضمن مجتمع واحد. إنها ليست مجرد سرد للأحداث التاريخية ولكن أيضاً دراسة عميقة للشخصيات البشرية تحت الضغط والتغير الاجتماعي المستمر. بهذا المعنى، تعدّ رواية "وكالة عطية" أكثر بكثير من مجرد كتاب خيال; فهي مرآة صادقة لواقع المجتمع المصري وظروفه المعقدة خلال سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية وما قبل الانقلاب السياسي الكبير في ستينيات القرن الماضي.
