تعدّ "كفى بك داء"، إحدى أشهر قصائد الشاعر العربي الكبير أبو نواس، عملاً أدبيًّا غنياً بالمعاني والدلالات الشعرية. تبدو القصيدة وكأنها تأمل شخصي عميق في معاناة الحب والعاطفة التي لا يمكن علاجها إلا بمزيدٍ من المحبة. يتناول الشاعر هنا حالة من الاضطراب الداخلي الناتجة عن شدة المشاعر تجاه محبوبته، مما يجعله يصرخ طلباً للمساعدة والصبر.
في الأبيات الأولى، يعرب الشاعر عن عجز الطب والمعالجين أمام مرض قلبه، مشيرا إلى أن الدواء الحقيقي الوحيد يكمن في حب هذه المرأة نفسها: "كفى بكِ داءٌ وداويَّةٌ". هذا البيان يجسد تقارب فكرة العلاج والشعور بالألم المتبادل بين الشخص وعاطفته نحو محبوبه. إنه يستخدم التشبيه للتعبير عن مدى ارتباط الألم بحبّه لها، مؤكدًا أنها مصدر سعادته ومعاناته أيضًا.
الأبيات التالية تحمل رسالة أكثر تعقيدا حول الطبيعة الغامضة والحساسة للحب. يقول أبو نواس إن حتى الحكمة والتجارب الفلسفية ليست كافية لفهم قوة الحب وشدة تأثيره: "ما حيلتي يا قلبُ بعد ما انظرتهمْ/ أسيفي أم أسقي الجراح كأس الصبر!". يشير هذا إلى أنه رغم معرفته للأدوار التقليدية للطب والفلسفة في التعامل مع المرض النفسي، فإن القلب الإنساني يبقى خارج حدود التحكم المنطقي - تماما كما هي طبيعة الحب نفسه.
ثم يستمر الشاعر في تصوير حالته النفسية خلال رحلة الاعتراف بهذا الواقع المؤلم. فهو ليس فقط متأثرا بشكل مباشر بالحبيب ولكن أيضا مستسلما لهذه الحالة المضطربة: "... ولكنه الدهر قد تجلى لي حقائقَه". يؤكد لنا هنا بأن الوقت والمؤشرات الخارجية لم تعد ذات أهمية كبيرة مقارنة بما يحدث داخليا لديه بسبب شوقه وإخلاصه. إنها دعوة لإعادة النظر في قيمة الزمن والأحداث اليومية مقابل العمق العاطفي للروح البشرية.
وفي نهاية المطاف، ينحني أبو نواس أمام سلطان الحب ويعلن الاستسلام له بصراحة صادقة: "فالحب إذن خير حياة لمن أحَبوا/ ولو كان فيه الموت ألف مرة ألف مرة." بالتالي، تكشف القصيدة كيف يمكن للعاطفة القوية مثل الحب توليد عالم جديد داخل الروح البشرية؛ عالم مليء بالإيجابيات والسلبية جنبا إلى جنب لكنهما وجهان لنفس العملة المعقدة. وبذلك تختتم القصيدة بتأكيد قوة الحب وحقيقة وجوده داخل كل نفس إنسانية مهما كانت الظروف.
هذه نظرة عميقة ومفصلة على جمال ورومانسية شعر أبي نواس كما تنقلها قصيده "كفى بك داء".
