"الأصمعيات"، وهي مجموعات من القصائد والشعر العربي القديم المختارة بعناية بواسطة العالم اللغوي الشهير عبد الملك بن قريب المعروف بالأصمعي. يعود تاريخ هذه المختارات إلى القرن الثاني الهجري، حيث جمعها الأصمعي بطريقة مشابهة لما فعله قبل ذلك أستاذه المفضل الضبي، مستخدماً ذوقه الشخصي لتجميع مختاراته الخاصة. رغم عدم انتشارها مثل "المفضليات"، إلا أنها تحمل مكانة عالية كونها من الأعمال الثمينة التي تعكس مستوى عالٍ من الذوق الأدبي واللغوي.
الأصمعيات تتكون بشكل أساسي من قطع قصيرة غالبًا، حتى أن البعض فقط عبارة عن بيتين. يوجد بها تسعة عشر قصيدة مشتركة مع المفضليات، مما يجعلها خلفًا مباشراً لهذه الأخيرة في الدرجة النوعية. صاحب العمل هو الأصمعي نفسه، أحد الرواة الأكثر مصداقية ومعرفتهم بالعربية الفصحى، والذي أمضى حياته بالسفر للبوادي والاستماع مباشرة للأشعار العربية الأصلية. لذا فإن نسبة نسبيتها للحقيقة مرتفعة جدًا.
جمع الأصمعي حوالي 96 قصيدة ومقطع لشعراء متنوعين، بما في ذلك 71 شاعر عرّف بهم الكتاب. يشمل هؤلاء الشعراء الجاهليين والإسلاميين، بالإضافة لشعراء آخرين اقترنت أعمالهم بجنس محدد مثل الشعر اليهودي. تصنيف الشعراء هنا واضح بين الفترتين الجاهلية والإسلامية، حيث تضمنت الأصمعيات 44 شاعر جاذلياً، وإحدى عشر شاعر مخضرم عاش فترة الجاهلية ثم الإسلام، وخمسة عشر شاعر اسلامياً.
أما بالنسبة للشكل العام للنصوص نفسها، فهي تتميز بتنوع الموضوعات والقضايا التي تناولتها. يمكن رؤية قدرة الأصمعي الرائعة في انتقاء النصوص الغريبة وغير المتداولة بكثرة والتي تعطينا صورة واضحة عن رأيه وتقديره الذاتي للقيم الأدبية والعناصر الفنية الأخرى المرتبطة بالنظم الشعري والثقافة العامة آنذاك.
يبقى ذكر ثلاث نماذج من أشهر تلك القصائد: أولها لأمرؤ القيس: "إذا هي أقاصي رجل الدهر/ أو كالقطا قامته الأنخاب"، وثانيها لدريد بن الصمت: "فليت قبور المخاضة خبرت / فتخبرنا الأخضر الأخضر المحارب". بينما الثالث للسمائل أخو سعيه (الشاعر اليهودي) يقول فيه: "نطفة ما مونيت يوماً... ".
ومن خلال عمل أصمعي هذا تتضح لنا أهميته كمصدر رئيسي لإعادة بناء الصورة الشاملة للعالم الثقافي والفكري للأمة الإسلامية خلال الفترة الوسيطة وبداية عصر الدولة الأموية تحديدًا.