معروف الرصافي، أحد رواد الشعر العربي الحديث، ترك بصمة واضحة في تاريخ الأدب العراقي والعربي ككل. مواليد بغداد عام ١٨٧٥ وتوفي بها أيضاً عام ١945، ارتبط اسمه ارتباطاً وثيقاً بتجسيد روح الثورة والنضال ضد الاستعمار البريطاني خلال فترة الانتداب. شعره يعكس عمق المشاعر الوطنية والفكر الإنساني المتقدم لزمانه.
يُعتبر ديوانه الشعري "أزهار في الدوح"، الصادر سنة 1911، بداية انطلاقته الفنية. فيه غنى للشباب والثورات والحرية، مستخدماً الأسلوب البلاغي والصور البيانية بكثرة مما جعل كتاباته مميزة ومثيره للتأمل. يقول أحد أبياته الشهيرة: "هَلْ تَدْرِي مَنْ هُوَ الْمَرْءُ؟ إِنَّهُ اِبْنُ سَاعَةٍ وَإِخْوَتِهَا". هذه القصيدة تعبر عن رؤية فلسفية حول طبيعة الحياة والتغير المستمر للأشخاص والمواقف.
في قصائد أخرى مثل "عشتار" و"الحرب العالمية الأولى"، ينقل الرصافي لنا مشاهد الحرب وآثارها النفسية والجسدية المؤلمة التي عانى منها الشعب العراقي آنذاك تحت وطأة الاحتلال. كما تناول قضايا اجتماعية وفلسفية عميقة تستحق التأمل حتى اليوم، مثل قصيدته "أنا الغريب".
كان للرصافي دور بارز أيضًا في تطوير اللغة العربية الحديثة واستخدام العامية بطريقة أدبية فاخرة غير مسبوقة قبل عصره. لقد أثرت تجارب حياته الشخصية، بما فيها زواجه المبكر وعلاقته مع زوجته الثانية أمينة أبو الحسن والتي كانت شاعرة أيضا، بشكل كبير على موضوعات وشكل شعره.
بالإضافة إلى ذلك، فقد أسهم إسهامات كبيرة في الترجمة والنقد الأدبي. يذكر أنه ترجم أعمال للمؤلف الفرنسي فيكتور هوغو ولغوته الألمانية وغوتة وغيرهما من الكتاب العالميين. كما كتب عدة دراسات نقدية هامة عن الشعر والشعراء العرب القدامى والمعاصرين.
ختاماً، فإن حياة ومعاناة وشعر معروف الرصافي تعد نافذة مهمة لفهم التاريخ الثقافي للعراق والخليج العربي منذ القرن الماضي وحتى وقتنا الحالي. إنه ليس فقط رمزا للشعر الوطني ولكن أيضا مثالا حيّا للإنسان الحر الجسور الذي لم يسمح لأي عقبة بأن تحدّ من طموحه وإبداعه مهما بلغ حجم الضغط الخارجي عليه وعلى بلده الأم العراق العزيزة.