تعدّ رواية "عائد إلى حيفا"، للمبدع غسان كنفاني، واحدة من الأعمال الأدبية البارزة التي تركت بصمة واضحة في تاريخ الرواية العربية. تستعرض هذه التحفة الفنية مجموعة متنوعة ومتشابكة من الشخصيات التي شكلت نسيج القصة وأضافت عمقاً درامياً وحياةً لشخصياتها.
تعكس شخصيات الرواية الواقع الاجتماعي والثقافي المعقد الذي عاشته فلسطين خلال فترة النكبة والحرب. تبدأ الرحلة مع بطلنا الرئيسي، عبد الرحمن، الشاب الفلسطيني الذي يعود إلى مدينته الحبيبة حيفا بعد سنوات طويلة قضاها في المنفى. هذا العائد يعثر على مدينة تغيرت جذرياً، ليجد نفسه محاطاً بشبكة واسعة من الأشخاص الذين يمتد تأثيرهم داخل وخارج المدينة.
من بين هؤلاء الأشخاص، تبرز شخصية سلمى، الفتاة الفلسطينية الجميلة ذات الطبع الثابت والمقاوم. رغم الصعوبات التي تواجهها نتيجة تشرد أهلها ومكانتهم الاجتماعية المتواضعة، إلا أنها تتمسك بالأمل وتسعى لتحقيق طموحاتها الأكاديمية. علاقتها الغامضة مع عبد الرحمن تضيف طبقة إضافية من التشويق والدراما للقصة.
يقدم لنا المؤلف أيضاً شخصيات ثانوية مهمة مثل علي، الرجل ذو العقيدة القوية والذي يسعى لإعادة بناء المجتمع الفلسطيني المهزوم، وصلاح الدين، الشخصية المحورية الأخرى، والتي تمثل الوجدان الوطني والفلسطيني. كل واحد منهم يحمل عبئاً نفسياً وجسدياً فريداً يضيف تعقيداً للسرد العام للرواية.
في جوهر الأمر، تعمل هذه الشخصيات مجتمعة لتنتج صورة فنية متكاملة تعبر عن تجربة الصراع العربي-الإسرائيلي بشكل واقعي وشامل. تُظهر تفاصيل حياة الأفراد وكفاحهم اليومي ضد الظروف القاهرة، بينما تصور أيضاً قوة الإنسانية والإصرار على الحياة حتى في أصعب الأوقات. إنها بلا شك دراسة متعمقة لما هو يعني حقاً أن تكون فلسطينية تحت الاحتلال.