تُعدّ المنظومة الإلبيرية واحدة من أهم المساهمات الشعرية العربية التي تركتها لنا تراثنا القديم الغني. تعود جذور هذه المنظومة إلى الأندلس خلال العصر الذهبي للإسلام، وتحديداً في القرن الثاني عشر الميلادي، وقد تألفت تحت رعاية سلطان غرناطة تلك الفترة، محمد بن يوسف بن نصر الله الناصر لدين الله. تُعرف أيضاً باسم "بحر الفراهيد" نسبةً لابن الفراهيدي، أحد أشهر علماء النحو والصوتيات العرب قديماً، والذي وضع القواعد الأساسية لهذه المنظومة.
تأتي تسميتها "الإلبيرية" نظراً لأنها كتبت برواية إلبيرة، وهي إحدى مشتقات الروايتين الرئيسيتين للقرآن الكريم: ورش وحفص عن عاصم. تعتبر منظومة ابن الفراهيدي مرجعاً أساسياً لكل من يدرس علم الصرف والقراءة القرآنيّة، حيث أنها جمعت بين البساطة والفائدة العلميّة بشكل فريد ومتميز. تتكون القطعة الشعريّة الواحدة ضمن المنظومة مما يسمى "الباب"، ويشتمل كل باب على مجموعة مواضع صرفية محددة مع شرح مفصل لها باللغة العربيّة القديمة.
يمكن تقسيم محتوى المنظومة إلى ثلاثة أقسام رئيسية: الجزء الأول يشرح أصوات اللغة وطرق تشكيل الحروف وفقاً للقراءات القرآنية المختلفة؛ فيما خصص الثاني لشرح حالات الرفع والنصب والجزم وكيفية استخدامها في الجملة; بينما عالج الثالث مسائل أخرى مثل التوكيد والاستثناء والاستعارة وغيرها. بالإضافة لذلك، فقد استخدم الشاعر أساليبا شعريّة متنوعة لإضفاء جمال موسيقي ونغمي خاص على النصوص المتعلقة بمواطن المعاني الدقيقة المصاحبة لمختلف المواقف الصرفيّة المذكورة داخل الباب الواحد للمنظومة.
إن هذا العمل الرائع ليس فقط دليلاً عملياً لصقل مهارات الطلاب نحو تعلم علوم النحو والبلاغة والتشكيل بل أيضًا مصدر ثاقب لفهم العمق الثقافي والتاريخي للأمة الإسلامية عبر الزمان والمكان المختلفين. إن تأثير المنظومة الإلبيرية ما زالت ظلاله حاضرة حتى اليوم كأثر خالد لتراث عربي أثري يحكي قصة نهضة حضارية عظيمة.