خيوط الخوف والفقدان: تحليل رواية خرائط التيه للأديب السعودي عبد الرحمن الفوزان

التعليقات · 1 مشاهدات

في رحلة إيمانية مقدسة نحو مكة المكرمة، تبدأ القصة بتحديد معالم الرحلة التي شرعت فيها أسرة مؤلفة من الوالدين ومشاري، ابنهم البار. تبدو الأجواء حافلة با

في رحلة إيمانية مقدسة نحو مكة المكرمة، تبدأ القصة بتحديد معالم الرحلة التي شرعت فيها أسرة مؤلفة من الوالدين ومشاري، ابنهم البار. تبدو الأجواء حافلة بالأمل والحماس؛ فالرحيل لمنى للحج هو حلم راود قلبَي الأم والأب لعمرٍ طويل. ومع ذلك، تفشل آمال تلك الاسرة حين يفقدون ابنهم العزيز بشكل غير متوقع خلال تأدية الركن الخامس من أركان الإسلام، وهو الطواف حول الكعبة المشرفة. هنا يكشف الزمن وجهه الحقيقي المر، ويتحول التألق المؤقت للرحلة الدينية إلى كابوس مظلم.

وفي الفصل الثاني، تصبح حالة اليأس حالة عامة داخل الأسرة بينما يبذل الأبوان قصارى جهودهما لإعادة الابن المسروق. ولكن، لتلك الرحلة مفاجآت مروعة أخرى تحتفظ بها خزانة القدر. تبين أن خاطفة مشاري كانت عضوًا ضمن شبكة دولية لجرائم الاتجار بالأعضاء البشرية، والتي ضمت رونيا المتلاعبة والمضللة. وقع اختيار الشبكة الشريرة على مشاري بسبب صفاته الوراثية الخاصة، مما دفعها لاستخدام بحكمته وسيلة خادعة للقضاء عليه مقابل تحقيق مكاسب مادية هائلة خارج القانون.

مع انتقال القصة إلى الصفحات التالية، تواجه الفتوى الصغير مواقف جديدة تماماً بالنسبة له -رغم قصر عمره-. بدون دعم محبتي والديّه، وجد نفسه وسط دوائر مخيفة من الجريمة المنظمة والعجز الإنساني. انتهى الأمر بأن أصبح هدفًا لطموحات إنسانية سوداء القلب، حيث باعه مرتكب الاختطاف للتجار الذين استخدموا طفولته النقية كهدف تجاري بلا اعتبار لقيم الحياة نفسها. ولكن لحسن حظه، ألحقته فرصته الأولى للهروب بسلسلة مصائر مضاعفة تعكس مرونة الإنسان أمام الظروف العنيفة لكنه المحروم من الحب والاحترام الأساسي لكل فرد.

إن هربه المفاجئ لن يدفع بالأحداث تجاه نهايات سعيدة بل سيفتح باب المزيد من المعاناة. فعندما يصل الطفل الضائع إلى مكان مجهول تمامًا، تكثر المخاطر الطبيعية وغير الطبيعية عليه. لقد تحمل المسؤولية لامحدودة لرجل غريب لا يشعر بالحماية ولا الأمن، وبالتالي يجبره على ارتكاب أعمال شاذة ضد طبيعته الجنسية الصغيرة الحساسة كوسيلة للدفاع عن النفس. إن وصف التفاصيل المقززة لهذه التجربة أقل أهمية بكثير من تأثيره النفسي الثابت عليها وعلى روحه.

وتتخذ النهاية منعطفًا آخر نحو الغرابة أكثر فأكثر وهي تشهد اكتشاف الآباء الموقع الحالي لابنهما عبر التحقيقات المستمرة منذ بداية الحادث المؤسف. رغم وجود احتمال كبير بأن يتم إعادة توحيد الأسرة مرة واحدة قبل الختام الرسمي للسطور الأخيرة، إلا أنها ربما تكون مجرد حلقة تركتها المؤلف بصبر لتحقيق نتيجة مجازية عميقة تحتمل العديد من التأويلات الاجتماعية والفلسفية المرتبطة بموضوع الفقدان والبقاء حيًا في ظل ظروف شديدة الإرهاق العاطفي والجسدي والمعرفي أيضًا للعقل البشري الصغير.

هذه الرواية الملفتة للانتباه، "خرائط التيه"، تستعرض صراع أسرة بسيطة تعمل بجهد مستمر لأهدافها الشخصية مقابل المواقف التعيسة التي يمكن أن تحدث لها في عالم مليء بالمغامرات السياسية والقانونية والقلبية القاسية للغاية. إنه عمل يستكشف حدود البشر وكيف نتكيف جميعًا داخليا وخارجيا عندما نواجه الموت والشؤم والخيانة بطرق مختلفة ومتنوعة مثل قربان مشروع من أجل الربح والتجارة المريبة!

التعليقات