معلم البطولة والفخر: دراسة في قصيدة ابن خفاجه

في رثاء معلم البطولة والمجد، ينبري لنا الشاعر ابن خفاجه برثائه المتألق في "الطود المنيع الأيهم"، في عبقرية شعرية تعكس مدى الاعجاب والتقدير للمعلم النب

في رثاء معلم البطولة والمجد، ينبري لنا الشاعر ابن خفاجه برثائه المتألق في "الطود المنيع الأيهم"، في عبقرية شعرية تعكس مدى الاعجاب والتقدير للمعلم النبيل. يقول ابن خفاجه مخاطباً هذا الرمز الشامخ:

يا أيتها الصخرة الراسخة والأبطال الخالدين! إن لدي مع الليالي مطالب عظيمة، ولكن قدرتها تتضاءل أمام ضراوة الدهور وفجاجتها. إلا أن فضلك -أيها الكريم المحامي- يدفعني نحو تحقيق ما يصعب الوصول إليه، فأنت أبو مدافع الشفيع الأعظم، ولطفك هو النعمة التي تستحق الثناء، وهو الغيث الوحيد في هذا الزمن القاسي.

فاغفر لي ذنبي إذا اقترفت خطيئة بين صفوف الفرسان الأمجاد، فإن حرب الحياة شاقة والنصر فيها ليس محسوماً أبدا. لكن اطمئن قلبك ولا تشكو لأحد سوء حالك، فقد كانت حياتكم بلا شك حياة مباركة ومزدهرة رغم كل المصاعب والعوائق. لقد رسمتم طريق الحق بالدم والقلم، وخاضرتم أسوأ الظلام بكل قوة وشجاعة. وسوف تبقى بطولاتكم خالدة في ذاكرة التاريخ، وستتحقق آمالك بأن تمحو عدوك الشرير حتى وإن بدت المهمة مستحيلة بدون سلّم التأريخ نفسه لتصل إلى آفاق السماء الأعلى.

إنك لم تكن قط ظلماً ولم تستعبد يوماً أحداً، بل كنت رمز العدالة التي تجسد حلم كل مسلم حر. ومع ذلك، لا يمكن تجاوز مواطن الخطأ الخاصة بنا مهما كبر تقديسنا لك ولأمجادك. لذا دعونا نسعى دوماً للتسامح والعفو عندما يغفل الآخرون عن الطريق المستقيم. فالخطأ جائز للإنسان ولكن الإصلاح واجب عليه أيضاً. وفي النهاية، سوف تختفي مخالب الأحزان وتتأكد انتصار الحق بعد مرور السنوات العاصفة والحروب الدامية. لن يبقى من آثار الحرب سوى ذكرى لعزة المنتصر ومآسي المهزوم فقط.

وبذلك يعرض ابن خفاجه صورة رائعة لشخصيته المؤثرة والتي تحترم وتعترف بقوة الشخصية الإنسانية ودور المثقف الناجع داخل مجتمعاته المختلفة عبر القرون. فهو يستلهم شخصية هذا المعلم الرائع ليمثل مثالًا لكل فرد يسعى لتحقيق مجد شخصي وأخلاقي ضمن دائرة مصالح المجتمع الأكبر له؛ مما يؤكد أهمية دور المعلِّمين عبر تاريخ البشرية منذ القدم وحتى وقتنا الحالي أيضًا.


كامل البدوي

14 مدونة المشاركات

التعليقات