أزدهر الغزل العذري في العصر الأموي لأسباب عديدة ومتنوعة، منها التأثيرات الاجتماعية والثقافية والدينية، بالإضافة إلى الظروف السياسية والاستقرار الاقتصادي. ساهم الإسلام في تغيير نظرة العرب تجاه المرأة، مما أدى إلى تقدير أعلى لقيمة المرأة وكرامتها. وقد ظهر ذلك واضحاً في الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي دعت إلى احترام النساء وعلاقاتهن الإنسانية المتوازنة. كما ساهم الثراء الاقتصادي الناتج عن الفتوحات الإسلامية والتجارب المزدهرة في تشكيل بيئة ملائمة للتفنن في عالم الأدب والفن.

وكان للجوانب الثقافية دور بارز أيضًا، إذ شهد المجتمع تطورات حضارية وانفتاح ثقافي عزّزا اهتمام الناس بالأدب والفكر. وقد امتزجت هذه التحولات بتلك المشاعر الرومانسية القديمة، والتي وجدت تعبيرًا صادقًا عبر شعر الغزل العذري. أما جانب آخر مهم وهو الجانب السياسي، فقد صاحب فترة الاستقرار والأمن زيادة الاهتمام بالثقافة والخيال لدى الطبقات المختلفة من الشعب. وبالتالي، أصبح للغزل مكانة مميزة ضمن نسيج الحياة اليومية للشعراء والبسطاء alike.

يتميز الغزل العذري في العصر الأموي بملامح فريدة تتمثل في عفوية العاطفة وصراحة التعبير عن المحبة دون ابتذال أو تقليل من شأن الذات أمام الآخرين. وفي الوقت نفسه، حرص شعراء تلك الفترة على تصوير علاقات حب نبيلة وغير مبتذلة، مما منح هذا اللون الشعري سمات مميزة تتخطى حدود التقليد السابق لتصل إلى مدارج جديدة من الرقي والشعرنة. ولعل رائدي مدرسة الغزل الحديثة هما جميل بن معمر وعمر بن أبي ربيعَة اللذان أسسا لبنية شعرية ارتكزت أساسًا على القيم الأخلاقية للعفاف والإخلاص لحبيب واحد مدى العمر. ويعتبر كتاب "غزل الأندلسيين" خير دليل على أصالتهم وطابعهم الخاص بغزلٍ يتجاوز الحدود المعتادة نحو مستوى أعلى من الانفعال الداخلي والسلوك الخارجي المسؤول والقادر على توجيه النفوس نحو صفاء الفكر ونقاء القلب.