تعد دراسة الشعر العربي أحد الأوجه الجمالية التي تتجلى فيها براعة اللغة العربية وسحرها في بنيتها ومعانيها وأساليبها البلاغية. ومن بين هذه الجوانب الرائعة للغة هو التحليل الصرفي الذي يكشف عن العمق والمعنى الرمزي للمفردات المستخدمة في القصائد. سوف نستعرض هنا طريقة لتحليل قصيدة معينة بالتركيز بشكل خاص على الجانب الصرفي وكيف يعزز جمال النص الشعري.
لنأخذ المثال التالي من شعر المتنبي: "أَما تُحَرَّكُ مِن عَبْدٍ وَهْوَ راكِعٌ/ إِلَيْهِ يَسْعى ذَلّاً وَمَنْ هُوَ واقِف". هنا يمكننا البدء بتحليل كل كلمة بناءً على أصالتها وجذورها. تبدأ الكلمة الأولى "تحرك" بجذر "ح ر ك"، والذي يشير إلى الحركة والديناميكية - وهي خاصية تتصل مباشرة برسالة الشاعر حول عدم قدرة العبد على الإفلات من قبضة القوة الغاشمة له.
الكلمة الثانية "عبد" لها جذور تاريخية قوية تربطها بخدمة الآخرين؛ مما يعطي المعنى الطبقي للقافية الفرضية للشعر. أما "راكع" فهي مشتقة من الفعل الثلاثي "ر ك ع"، والتي تدل على حالة الانحناء والإذلال، وهذا يحافظ على الموضوع الرئيسي وهو رد فعل عبيد أمام سلطة غير متوازنة.
ثالثا نقرأ "إليه"، والتي تشكل فعلاً مضارعاً مجزوماً، لكن معناها واضح جداً نحو اتجاه العمل. ثم "يسعى" ذات الأصل الثلاثي "س ع ي"، تعبر عن النشاط المرتبط بالسعي والتوجيه باتجاه هدف ما حتى وإن كان هذا المسار محفوف بالمخاطر والصعوبات ("ذلها").
وأخيراً وليس آخرا هناك عبارة "ومن هو واقف"، حيث توحي بكلمة "واقف" باستقرار شخص ما رغم الظروف المضطربة للسائر تحت الضغط. وبالتالي فإن استخدام التصريف المناسب لهذه الكلمات يخلق طبقات دلالات غنية تكمل الرسالة العامة للقصيدة بطريقة حرفية ومؤثرة للغاية.
في النهاية، يأتي التحليل الصرفي باعتباره أداه أساسية لفهم الشعراء العرب القدماء وتقدير روائعهم الأدبية حق تقديره عبر قرون طويلة. إنه ليس مجرد دراسة لغوية فحسب، بل وسيلة لإعادة اكتشاف الأفكار والمفاهيم والمواقف الخفية داخل أعمالهم الأدبية الثمينة.