الفخار الجاهلي.. إبداعٌ شعريٌّ يعكس قيمَ العروبة والكرم

كان الشعر الجاهلي أحد أهم أشكال التعبير الأدبي قبل الإسلام، ويعدُّ الفخرُ من أبرز المواضيع التي تناولها الشعراء آنذاك. إنَّ قصائد الفرسان الأجواد تعبر

كان الشعر الجاهلي أحد أهم أشكال التعبير الأدبي قبل الإسلام، ويعدُّ الفخرُ من أبرز المواضيع التي تناولها الشعراء آنذاك. إنَّ قصائد الفرسان الأجواد تعبر عن مكانتِهم الاجتماعية وارتفاع منزلتهم عند قبائلهم وعند المجتمع ككل؛ فهي تشهد بكفاءتهم وشجاعتهم ونبل أخلاقهم وكريم طبائعهم. وفيما يلي بعض الأمثلة البارزة لأبيات شعر جاهلية تصور مشاعر فخر العرب وتراثهم الغني بالأصالة والقوة الأخلاقية:

يقول امرؤ القيس بن حجر بن الحارث الكندي:

"أنا ابنُ مَنْ إذا ما لم يُعطِ عطاياه بِيَدٍ فاضت عليها يدٌ أخرى".

وتظهر هذه القصيدة مدى اعتزاز الشاعر بجذوره النسبية ومكانته بين أفراد قبيلته حيث يؤكد قدرتها على تحقيق الوفاء والتبرع حتى وإن توقفت عنه يده بسبب ظرف معين. فهو شبيه بغوث الأقوام حين يحتاجون إلى مساندة ودعم غير محدودين. كما أنها رمز لقوة تحالفاته ومعاوناته المتنوعة التي تضمن له دوام نفوذه ورقي هيبته وسط رفقائه وأقرانه.

ومن جانب آخر يمكن رؤية تأثير هذا النوع الدرامي المنمق للخطاب الخبري عبر أبيات مثل تلك الخاصة بشاعر آخر وهو عمرو بن كلثوم الطائي والذي يقول مغرِّدا بفخره بإنجازات بني عمه العدنانيين منذ زمن قديم:

"إنّا لنحن ذوو المجد العربي والسيف والفرس والحرب الترتجِل".

حيث يشيد هنا بتقاليد أسلافه القديمة والتي تتضمن استخدام المعدات المحارب التقليدية كالخيول والسروج المصنوعة خصيصا لحمامات الحرب، مما يؤشر لجيش منظمة ومتدرب جيداً قادر على مواجهة مختلف حالات الصراع بلا خوف ولا رادع. وهذا ليس مجرد حديث حول ميراث شخصي محصور بالحاضر فقط بل يصل صداؤه للأجيال السابقة والعلاقة الوثيقة الرابطة لهم جميعا بحبل واحد هو رابط الدم والإباء والنخوة العربية الأصلية.

وفي مقطع ثالث أكثر اقتصارًا لكنه يحمل نفس المعنى العام نرى مثالًا مؤثرًا لـ "عنترة بن شداد"، ذلك فارس مضر الشهير صاحب الرواية الشعبية الشهيرة المنسوب اسم الشخصية الرئيسية إليها وهي رواية "عنترة"، إذ وصف نفسه بأنه حصن حصين لكل من ينتمي إليه فقال مخاطباً زملاء فراسته فيما يلي:

"أنا يا رجال معدِّكم وسائقكم إلى المنايا وما عدَّيتُم ومشيتُم".

وهنا تجتمع قوة شخصية العنزي وجرأته المشرفة أمام الموت وانتشال أهل بيته مهما بلغ الأمر وذلك استنادا لدوره كمقاتل ماهر يعرف فنون التجربة والمعاناة وحسن التصرف وقت الحاجة الملحة للتدخل الإيجابي المؤدي لفوز النافرة وتحقيق الأمنيات الضائعة سابقًا.

ختامًا فإن غرض هؤلاء الرجال الذين كانوا يجلسون حوله عندما خاطبهم بهذا البرهان كان لغرس الثقة داخله وإظهار تقديرهم واحترامهم الشخصي الكبير تجاه بطولات ذاك الرجل الجدير فعلاً بالمديح والإقرار الداخلي والخارجي أيضًا لما يتمتع به قلب مليء بالتواضع والشجاعة والمبادئ الحميدة التي تستحق الاحترام والثناء طويلاً!

التعليقات