في ساحة الأدب العربي الحديثة والمعاصرة، تحتل الأساطير مكانًا بارزًا وتأثيرًا عميقًا في تكوين النص الشعري ومحتواه الرمزي والإيحائي. إنها ليست مجرد عناصر تاريخية قديمة بل هي قوالب فكرية وفنية يمكن إعادة تشكيلها واستنطاقها لتعكس تجارب وأفكار العصر الحالي. هذا التحول يعكس المرونة الفائقة التي تتميز بها الأساطير كأداة أدبية متعددة الاستخدامات ومتجددة الدوام.
يمكن تتبع استخدام الأسطورة في الشعر العربي إلى جذور الثقافة العربية القديمة، حيث كانت القصص والسرديات الخيالية جزءاً أساسياً من التراث الروحي والفكري للشعب. ومع ذلك، فإن الطريقة التي يتم فيها دمج هذه الأساطير في الشعر الحديث مختلفة تماما. بدلاً من الاعتماد عليها كموضوع مباشر، يميل شعراء اليوم لاستخلاص الأفكار والمواضيع والمجازات منها لتشكيل رؤية شعرية أكثر تعقيداً وعمقا.
على سبيل المثال، في أعمال الشاعر الفلسطيني محمود درويش، نرى كيف يستخدم أساطير الهوية الوطنية الفلسطينية لإثارة النقاش حول القضايا السياسية والعاطفية الحالية. بنفس المنطق، تستخدم الشاعرة العراقية نازك الملائكة صور الأساطير اليونانية للتعبير عن الطبيعة المتغيرة للعلاقات الإنسانية والتناقضات النفسية.
كما يلعب السياق الاجتماعي والثقافي دورًا رئيسيًا في تحديد كيفية ظهور الأسطوريات في الأعمال الشعرية المعاصرة. فقد يؤدي الصراع والحروب والأزمات الاجتماعية إلى استعادة قصص الأبطال والخالدين كوسيلة للهروب المؤقت وإيجاد معنى للحياة وسط الفوضى. وفي المقابل، قد تؤدي الفترات الأكثر هدوءً إلى التركيز على الجوانب الجمالية للأساطير وكيف يمكن استخدامها لرسم لوحات حسية غنية تنقل المشاعر الداخلية للشعراء.
ومن الناحية النظرية، يُعتبر استخدام الأساطير في الشعر المعاصر وسيلة لتحقيق ما يعرف بـ "التعددية التأويلية". حيث يسمح للمتلقي بتقديم عدة تفسيرات محتملة بناءً على خلفياتهم الثقافية الشخصية وخبراتهم الذاتية. وهذا يقودنا إلى الاعتقاد بأن الأساطير ليست فقط رصدًا للأحداث التاريخية ولكن أيضا مرآة تعكس الواقع المعقد الذي نعيش فيه الآن.
وفي النهاية، يبقى تأثير الأساطير واضحًا في العديد من أشكال التعبير الفني بما فيها الموسيقى والسينما وغيرهما الكثير. لكنه بشكل خاص في الشعر، حيث تتلاقح اللغة بالخيال الحر والإمكانيات المفتوحة بلا حدود، تلعب دور الوصل بين الماضي والحاضر وبذلك تضمن لنا وجود فئة واسعة من التجارب البشرية عبر الزمان والمكان.