كان أبو عبد الله محمد بن محمد بن سليمان المعروف بابن أبي حجلة التلمساني أحد الشعراء البارزين الذين برزوا بصورة ملحوظة خلال القرن الرابع الهجري في العراق. ولد ابن أبي حجلة حوالي العام 260 هـ في مدينة تل المسحان الواقعة قرب بغداد، والتي كانت حينها مركز الحركة الثقافية والفكرية بالعراق.
اشتهر ابن أبي حجلة بشعره الجميل والمليء بالصور البيانية الرائعة والحكمة العميقة. اعتبر الكثيرون شعره نوعاً جديداً من الشعر العربي، جمع بين الفخر والشعر الغنائي وبين النصحيات والقيم الأخلاقية. كان يتمتع بموهبة كبيرة في وصف الطبيعة والإنسان بطرق مؤثرة ومدهشة، مما جعله محبوباً لدى القراء والشخصيات الأدبية المؤثرة آنذاك.
أسلوبه الشعري يمتاز بتنوع المواضيع التي تناولها؛ فمن جانب يمدحه ويُفتخر بالأعمال البطولية للملوك والأمراء، ومن الجانب الآخر يعكس مشاعره الشخصية والتجارب اليومية للحياة الإنسانية. هذا النوع من الشمولية جعل له مكانة خاصة وأثر فيه بشكل كبير على الأجيال اللاحقة من الشعراء العرب.
على الرغم من عدم وجود معلومات كثيرة حول حياته الخاصة بسبب قلة الوثائق التاريخية المتاحة، إلا أنه معروف بأنه عاش حياة مليئة بالتحديات السياسية والثقافية أثناء حكم الدولة العباسية. تحدت هذه الظروف عصاميته وشجاعته الأدبية، حيث استمر رغم كل العقبات في تأليف القصائد الجميلة ذات التأثير الكبير حتى وفاته عام 311 هـ تقريبًا.
يعد كتاب "ديوان ابن أبي حجلة التلمساني"، وهو مجموعة مختارة من أشعاره، مرجعا أساسياً لدراسة الشعر العربي القديم وتقدير جماليه وسحر اللغة العربية. إن إرثه كمبدع أدبي ما زال حيًّا ويشهد عليه أعمال المستشرقين والأدباء العرب الذين ظلوا يحتفلون بذكراه عبر القرون العديدة التالية لوفاته.
