كان للغزل مكانة بارزة ومتميزة في الأدب العربي القديم، خاصة في فترة ما قبل الإسلام المعروفة بالعصر الجاهلي. يتميز هذا النوع الأدبي بكثرة الاستخدام والتأثير الكبير بين الشعراء آنذاك لوصف المرأة بكل جوانبها الجمالية والحسية بالإضافة إلى تصوير مشاعر الحب والعاطفة المتبادلة. يعكس شعراء ذلك الزمان براعة لغتهم وثقافتهم عبر استخدام صور شعرية غنية ورموز فنية رائعة لتوصيل تلك المشاعر النابضة بالحياة.
يُظهر لنا الغزل الجاهلي أيضاً جانب هاماً آخر وهو دوره كوسيلة للتعبير عن العلاقات الاجتماعية والقيم الأخلاقية المتداولة حينها. فهو لم يكن مجرد وصفٍ جمالي للمرأة فقط بل كان وسيلة للحديث حول الضوابط المجتمعية التي كانت تحكم التفاهمات والسلوكيات المرتبطة بحياة الرجال والنساء بشكل عام.
على سبيل المثال, نجد قصائد تغنى بها الشاعر امرأ القيس مثل "دون القيظ إلا حومان فانزعوا"، والتي تعتبر واحدة من أشهر وأروع القصائد العربية القديمة والتي تعبر عن حالة من الوجد والشجن تجاه المحبوبة كما أنها تشهد بتقاليد المجتمع الشرقي فيما يخص موضوعات مشابهة.
فيما يسميه البعض بـ "غزل الخمرة"، يُبرز الشاعر قربه وعلاقتَه الحميمة مع محبوبته مستخدمًا التشبيه والفروقات الدقيقة لإظهار عمق عاطفته وتعظيم مكانتَها لديه وفي قلبه؛ مثال ذلك عندما يقارن نفسه بنهر الفرات ويصف محبوبته بأنها نهر دجلة لأنه بالنسبة له هي مصدر الحياة والنور. هنا تتضح أهميته ليس فقط كموضوع أدبي ولكن أيضا كنظام اجتماعي يحترم وينظم الحياة الخاصة للأزواج وفق الأعراف الثقافية للعصور الماضية.
من الواضح جدًا كيف شكل الغزل جزءا لا ينفصل عن الحركة الشعرية خلال الفترة العصيبة والمعقدة تاريخياً وهي العصر الجاهلي، مما يجعله مؤشر مهم لفهم سيكولوجية النفس البشرية وردود فعل الإنسان أمام متغيرات حياته اليومية بما فيها تجربة الحب والميل الجنسي بطبيعتهم المختلفة. إن قدرته على الجمع بين الواقع الاجتماعي والخيال الشخصي جعل منه فناً حيويّاً خالد الأثر رغم مرور قرون طويلة عليه منذ كتابته لأول مرة حتى يومنا هذا.