كان الفرزدق، واسمه الكامل أبو فراس همام بن غالب بن صعصعة، واحداً من أبرز الشعراء العرب خلال العصر الأموي. نشأ وشهد العديد من الأحداث التاريخية المهمة، مما انعكس بشكل كبير على شعره. رغم أنه اشتهر بشعر الهجاء، إلا أن مواهبه تمتد لتغطي مجالات عديدة مثل الفخر والمديح. لقد ترك تأثيره الواضح على اللغة العربية نفسها، حتى اقترح البعض بأن جزءاً كبيراً منها قد فقد بدون إبداعاته.
في ميدان مدائحه، لم يكن الفرزدق مجرد شاعر بل رسالة سياسية أيضاً. لقد استخدم قصائد التفخيم لنيل تقدير وحماية القادة والحكام الذين أمدهم بالعطايا والكرامة الملكية. هذه العلاقات السياسية سمحت له بممارسة دور مؤثر في السياسة آنذاك. بالإضافة لذلك، لعب دوراً بارزاً في مجال حفظ الأعراض ورعاية المستجيرين -كما يشهد بذلك حرصه الشديد على قبر أبيه والتزامَه بإغاثة الطالبين للحماية عند زيارة ذلك المكان المقدس بالنسبة إليه.
أما نقائض الفرزدق الشهيرة فهي دليل آخر على براعته الأدبية. وقد دار الجدال الشعري العنيف بينه وبين منافسه الأشهر جرير لمدة طويلة، وكانت تلك المنافسة مصدر إلهام للكثير من القصائد الرائدة في فترة حكم بني أمية. ولكن تجدر الإشارة هنا إلى أن سياقات نقائضهما الأولى تعود أساساً إلى خلاف شخصي وليس فقط تنافس أدبي خالص كما يعتقد بعض الدارسين اليوم.
ومن ناحية أخرى، فإن اهتمام الفرزدق بموضوع الموت واضح جداً عبر سيرته الذاتية والشعرية أيضا. فقد روي عنه قصة طفولة مأساوية عندما توفي أبواه أثناء مرض الطاعون حيث تعرض لحياة صعبة مليئة بالألم والخيبة المبكرة. ربما لهذا السبب كثيرا ما يعالج مسألة المنية وفنائها في الكثير من كتاباته حيث يقول "إنّا إذا متنا فارجعوا بنا / ولو بعد طول عمر طويل". لكن بطعم مختلف تمام الاختلاف عما قدمناه سابقاً، لدينا مثال جميل للفخر الذي يتميز به شعر الفرزدق:"أبي أحَدُ الغَيْثَينِ صَعْصَعةُ الّذِي/ متى تُخلِّفِ الجَوازَاءُ والدلو يُمطر."
وفي النهاية، يمكن اعتبار حياة وشعر الفرزدق شاهدا محاورا لكل جوانب ثقافة عصر بني أمية: السلطة والعلاقات الإنسانية والنزاعات والقضايا الاجتماعية والصراع الشخصي وغيرها العديد من المواضيع المختلفة الأخرى والتي مازالت تشكل جزء حيوي من التاريخ والثقافة العربية حتى الآن.